التفسير الصافي - الفيض الكاشاني - ج ٧ - الصفحة ٤٠٣
الله تعالى: " وفاكهة وأبا "، فلم يعرف معنى الأب من القرآن، وقال: أي سماء تظلني أم أي أرض تقلني أم كيف أصنع إن قلت في كتاب الله بما لا أعلم، أما الفاكهة فنعرفها، وأما الأب فالله أعلم به، فبلغ أمير المؤمنين (عليه السلام) مقالته في ذلك، فقال: سبحان الله! أما علم أن الأب هو الكلأ والمرعى، وأن قوله سبحانه: " وفاكهة وأبا " اعتداد من الله بإنعامه على خلقه فيما غذاهم به، وخلقه لهم ولأنعامهم مما تحيى به أنفسهم، وتقوم به أجسادهم (1).
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام) إنه قيل له: في قوله: " فلينظر الإنسان إلى طعامه " ما طعامه؟ قال: علمه الذي يأخذه عمن يأخذه (2).
أقول: وذلك لأن الطعام يشمل طعام البدن وطعام الروح جميعا، كما أن الإنسان يشمل البدن والروح معا، فكما أنه مأمور بأن ينظر إلى غذائه الجسماني ليعلم أنه نزل من السماء من عند الله سبحانه بأن صب الماء صبا إلى آخر الآيات، فكذلك مأمور بأن ينظر إلى غذائه الروحاني الذي هو العلم ليعلم أنه نزل من السماء من عند الله عز وجل، بأن صب أمطار الوحي إلى أرض النبوة وشجرة الرسالة وينبوع الحكمة فأخرج منها حبوب الحقائق وفواكه المعارف لتغتذي بها أرواح القابلين للتربية، فقوله (عليه السلام): " علمه الذي يأخذه عمن يأخذه " أي ينبغي له أن يأخذ علمه من أهل بيت النبوة الذين هم مهابط الوحي، وينابيع الحكمة، الآخذون علومهم من الله سبحانه حتى يصلح لأن يصير غذاء لروحه دون غيرهم ممن لا رابطة بينه وبين الله من حيث الوحي والإلهام، فإن علومهم إما حفظ أقاويل رجال ليس في أقوالهم حجة، وإما آلة جدال لا مدخل لها في المحجة، وليس شئ منهما من الله عز وجل، بل من الشيطان فلا يصلح غذاء للروح والإيمان، ولما كان تفسير الآية ظاهرا لم يتعرض له، وإنما تعرض لتأويلها، بل التحقيق أن كلا المعنيين مراد من اللفظ بإطلاق واحد.

١ - الإرشاد للشيخ المفيد: ص ١٠٧.
٢ - الكافي: ج ١، ص 49 - 50، ح 8، باب النوادر.
(٤٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 397 399 400 401 402 403 404 405 407 409 410 ... » »»