التفسير الصافي - الفيض الكاشاني - ج ٢ - الصفحة ٥٥
البغضة (1) وسأل جبرئيل (عليه السلام) أن يسأل ربه العصمة من الناس وانتظر أن يأتيه جبرئيل بالعصمة من الناس من الله جل اسمه فأخر ذلك إلى أن بلغ مسجد الخيف (2) فأتاه جبرئيل في مسجد الخيف فأمره أن يعهد عهده ويقيم عليا صلوات الله عليه علما للناس ولم يأته بالعصمة من الله جل جلاله الذي أراد حتى أتى كراع الغميم بين مكة والمدينة فأتاه جبرئيل (عليه السلام) وأمره بالذي أتاه به من قبل الله ولم يأته بالعصمة من الله جل جلاله الذي أراد فقال يا جبرئيل إني أخشى قومي أن يكذبوني ولا يقبلوا قولي في علي (عليه السلام) فرحل فلما بلغ غدير خم قبل الجحفة بثلاثة أميال أتاه جبرئيل على خمس ساعات مضت من النهار بالزجر والانتهار (3) والعصمة من الناس فقال يا محمد إن الله تعالى يقرؤك السلام ويقول لك " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك في علي صلوات الله وسلامه عليه وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس وكان أوايلهم قربت من الجحفة (4) فأمره بأن يرد من تقدم منهم ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان ليقيم عليا (عليه السلام) للناس ويبلغهم ما أنزل الله تعالى في علي (عليه السلام) وأخبره بأن الله عز وجل قد عصمه من الناس.
فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما جاءته العصمة مناديا ينادي في الناس بالصلاة جامعة ويرد من تقدم منهم ويحبس من تأخر فتنحى عن يمين الطريق إلى جنب مسجد الغدير وأمره بذلك جبرئيل عن الله عز وجل وفي الموضع سلمات (5) فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقم (6) ما تحتهن وينصب له أحجار كهيئة المنبر

(1) البغض بالضم ضد الحب والبغضة بالكسر والبغضاء شدته.
(2) الخيف ما انحدر من غلظ الجبل وارتفع عن مسيل ومنه سمى مسجد الخيف بمنى لأنه بني في خيف الجبل والأصل مسجد خيف منى فخفف بالحذف. 3 - نهره وانتهره أي زبره وزجره.
(4) الجحفة بضم الجيم هي مكان بين مكة والمدينة محاذية لذي الخليفة من الجانب الشامي قريب من رابغ بين بدر وخليص. 5 - السلمة كفرحة الحجارة ج ككتاب.
(6) قم البيت قما من باب قتل كنسه. قوله تعالى فحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا أي لم نبق منهم أحدا ومنه سمى الغدير لأنه ماء يغادره السيول أي تخلفه فعيل بمعنى مفعول أو فعيل بمعنى فاعل لأنه يغدر بأهله أي ينقطع عند شدة الحاجة إليه ومنع الدعاء اللهم من نعمك وهي اجل من أن تغادر أي تنقطع وغدير خم موضع بالجحفة شديد الوباء قال الأصمعي لم يولد بغدير خم أحد فعاش إلى أن ينجو منه ويوم الغدير هو يوم الثامن عشر من ذي الحجة وهو اليوم الذي نصب رسول الله (صلى الله عليه آله وسلم) عليا (عليه السلام) خليفة بحضرة الجمع الكثير من الناس حيث قال من كنت مولاه فعلي مولاه قال الغزالي وهو من أكابر علماء القوم في كتابه المسمى بسر العالمين ما هذا لفظه قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلى يو م الغدير من كنت مولاه فعلي مولاه فقال عمر بن الخطاب بخ بخ لك يا أبا الحسن لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ثم قال وهذا رضى وتسليم وولاية وتحكيم ثم بعد ذلك غلب الهوى وحب الرياسة وعقود البنود وخفقان الرايات وازدحام الخيول وفتح الأمصار والأمر والنهى فحملتهم على الخلاف فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون إلى أن قال ثم أن أبا بكر قال على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أقيلوني فلست بخيركم وعلي فيكم أفقال ذلك هزوا وجدا أو امتحانا فإن كان هزوا فالخلفاء لا يليق بهم الهزل ثم قال والعجب من منازعة معاوية بن أبي سفيان عليا في الخلافة وأين أليس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قطع طمع من طمع فيها بقوله إذا ولى الخليفتان فاقتلوا الأخير منهما والعجب من حق واحد كيف ينقسم بين اثنين والخلافة ليست بجسم ولا عرض فتتجزى انتهى كلامه وفيه دلالة على انحرافه عما كان عليه والله أعلم.
(٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 ... » »»
الفهرست