أعمالكم على حذف مضاف كقوله - يبين الله لكم أن تضلوا - وإما نفس الفعل فهو المنهى عنه على معنى تنزيل صيرورة الجهر المنهى عنه إلى الحبوط منزلة جعل الحبوط علة في الجهر على التمثيل من وادى - ليكون لهم عدوا وحزنا - قال: وتلخيص الفرق بينهما أنه على الثاني يقدر انضمام المفعول من أجله إلى الفعل الأول الخ. قال أحمد:
وهو يحوم على شرعة وبيئة إياك وردودها، وذلك أنه يعتقد أن ما دون الكفر ولو كبيرة واحدة تحبط العمل وتوجب الخلود في العذب المقيم وتخرج المؤمن من اسم الإيمان ورسمه، ومعاذ الله من هذا المعتقد، فعليك بعقيدة أهل السنة الممهدة في مواضع من هذا المجموع فجدد العهد بها، وهى اعتقاد أن المؤمن لا يخلد في النار وأن الجنة له بوعد الله حتم ولو كانت خطاياه ما دون الشرك أو ما يؤدى إليه كزبد البحر، وأنه لا تحبط حسنة سيئة طارئة كائنة ما كانت سوى الشرك، والزمخشري اغتنم الفرصة في ظاهر هذه الآية فنزلها على معتقده ووجه ظهورها فيما يدعيه أن رفع الصوت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم معصية لا تبلغ الشرك، وقد أخاف الله عباده من إحباطه الأعمال بها، ولو كان الإحباط مقطوعا بنفيه لم تستقم الإخافة به، وأنى له أن يبلغ من ذلك آماله ونظم الكلام يأباه عند البصر بمعناه فنقول: المراد في الآية النهى عن رفع الصوت على الإطلاق ومعلوم أن حكم النهى الحذر مما يتوقع في ذلك من إيذاء النبي عليه الصلاة والسلام، والقاعدة المختارة أن إيذاءه عليه الصلاة والسلام يبلغ مبلغ الكفر المحبط للعمل باتفاع، فورد النهى عما هو مظنة لأذى النبي عليه الصلاة والسلام سواء وجد هذا المعنى أو لا حماية للذريعة وحسما للمادة، ثم لما كان هذا المنهى عنه وهو رفع الصوت منقسما إلى ما يبلغ ذلك المبلغ أولا، ولا دليل يميز أحد القسمين عن الآخر لزم المكلف أن يكف عن ذلك مطلقا، وخوف أن يقع فيما هو محبط للعمل وهو البالغ حد الإيذاء، إذ لا دليل ظاهر يميزه، وإن كان فلا يتفق تمييزه في كثير من الأحيان، وإلى التباس أحد القسمين بالآخر وقعت الإشارة بقوله - أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون - وإلا فلو كان الأمر على ما يعتقده الزمخشري لم يكن لقوله - وأنتم لا تشعرون - موقع، إذ الأمر بين أن يكون رفع الصوت مؤذيا فيكون كفرا محبطا قطعا، وبين أن يكون غير مؤذ فيكون كبيرة محبطة على رأيه قطعا. فعلى كلا حاليه الإحباط به محقق، إذا فلا موقع لإدغام الكلام بعدم الشعور مع أن الإحباط ثابت مطلقا والله أعلم. وهذا التقرير الذي ذكرته يدور على مقدمتين كلتاهما صحيحة: إحداهما أن رفع الصوت من جنس ما يحصل به الإيذاء وهذا أمر يشهد به النقل والمشاهدة الآن، حتى إن الشيخ ليتأذى برفع التلميذ صوته بين يديه فكيف برتبة النبوة وما يستحقه من الإجلال والإعظام المقدمة الأخرى أن إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم كفر، وهذا أمر ثابت قد نص عليه أئمتنا وأفتوا بقتل من تعرض لذلك كفرا ولا تقبل توبته، فما أتاه أعظم عند الله وأكبر، والله الموفق.