الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٣ - الصفحة ٥٤٤
وغنيمة) انتهى كلامه. قال أحمد: لا تخلو الآية من الفن المعروف عند علماء البيان باللف، وكان الأصل والله أعلم: فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا، ومن يحرمكم النفع إن أراد بكم نفعا، لأن مثل هذا النظم يستعمل في الضر، وكذلك ورد في الكتاب العزيز مطردا كقوله - فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم - ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا - فلا تملكون لي من الله شيئا هو أعلم بما تفيضون فيه - ومنه قوله عليه الصلاة والسلام في بعض الحديث " إني لا أملك لكم شيئا " يخاطب عشيرته، وأمثاله كثيرة، وسر اختصاصه بدفع المضرة أن الملك مضاف في هذه المواضع باللام، ودفع المضرة نفه يضاف للمدفوع عنه، وليس كذلك حرمان المنفعة فإنه ضرر عائد عليه لا له، فإذا ظهر ذلك فإنما انتظمت الآية على هذا الوجه لأن القسمين يشتركان في أن كل واحد منهما نفى لدفع المقدر من خير وشر، فلما تقاربا أدرجهما في عبارة واحدة، وخص عبارة دفع الضر لأنه هو المتوقع لهؤلاء، إذ الآية في سياق التهديد أو الوعيد الشديد وهن نظير قوله تعالى - قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة - فإن العصمة إنما تكون من السوء لا من الرحمة، فهاتان الآيتان يرامان في التقرير الذي ذكرته، والله أعلم.
قوله تعالى (ولله ملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) قال فيه (يغفر ويعذب بمشيئته الخ) قال أحمد: قد تقدمت أمثالها والقول بأن موجب الحكمة ما ذكر تحكم، هذا وأدلة الشرع القاطعة تأتى على ما يعتقده فلا تبقى ولا تذر، فكم من دليل على أن المغفرة لا تقف على التوبة، وكم يروم اتباع القرآن للرأي الفاسد فيقيد مطلقا ويحجر واسعا والله الموفق.
(٥٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 537 538 540 541 543 544 545 546 548 552 553 ... » »»