تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٣ - الصفحة ٥٤٦
جاء به مصدرا بالقسم (لمن كان يرجوا الله) بدل من قوله: (لكم) وذلك نوع من التأكيد، وكذلك قوله: (ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد) أي: ومن أعرض عن الايتاء بإبراهيم فإن الله هو الغني عن جميع خلقه لا يضره ذلك، وإنما ضروا أنفسهم.
ولما نزلت هذه الآيات تشدد المؤمنون في عداوة آبائهم وأقربائهم من المشركين، فلما رأى الله سبحانه منهم الجد والصبر على الوجه الشديد، رحمهم ووعدهم تيسير ما تمنوه من إسلام أقاربهم، وحصول التصافي والتواد بينهم.
و (عسى) وعد من الله على عادات الملوك، حيث يقولون في بعض الحوائج: " عسى " أو " لعل "، فلا يبقى شبهة للمحتاج في تمام ذلك، أو: قصد به إطماع المؤمنين، (والله قدير) على تقليب القلوب وتسهيل الأمور.
(أن تبروهم) بدل من (الذين لم يقتلوكم)، وكذلك (أن تولوهم) بدل من (الذين قتلوكم) والمعنى: (لا ينهكم) عن مبرة هؤلاء وإنما ينهاكم عن تولي هؤلاء. وهذا أيضا رحمة لهم لتشددهم وجدهم في العداوة، حيث رخص لهم في صلة من يجاهد (1) منهم بالقتال والإخراج من الديار، وهم خزاعة، وكانوا صالحوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أن لا يقاتلوه ولا يعينوا عليه، وعن مجاهد: هم الذين آمنوا بمكة ولم يهاجروا (2). (وتقسطوا إليهم) أي: وتعدلوا فيما بينكم وبينهم، وتقضوا إليهم بالقسط ولا تظلموهم، أوصى سبحانه باستعمال القسط مع المشركين والتحامي عن ظلمهم، فما ظنك بحال من اجترأ على ظلم أخيه المسلم؟!
(إذا جآءكم المؤمنت) سماهن مؤمنات لتصديقهن بألسنتهن ونطقهن بكلمة الشهادة (فامتحنوهن) فاختبروهن بالحلف والنظر في الأمارات ليغلب على

(1) في نسخة: " يجاهر ".
(2) تفسير مجاهد: ص 655.
(٥٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 541 542 543 544 545 546 547 548 549 551 552 ... » »»