تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٣ - الصفحة ٥٣٧
(رهبة) مصدر " رهب " المبني للمفعول، كأنه قال: أشد مرهوبية. وفي قوله:
(في صدورهم) دلالة على نفاقهم، والمعنى: أنهم يظهرون لكم في العلانية خوف الله وأنتم أهيب في صدورهم من الله (لا يفقهون) أي: لا يعلمون الله حتى يخشوه حق خشيته.
(لا يقتلونكم) لا يقدرون على مقاتلتكم (جميعا) مجتمعين يعني: اليهود والمنافقين (إلا) كائنين (في قرى محصنة) بالخنادق والدروب (أو من ورآء جدر) دون أن يصحروا لكم ويبارزوكم؛ لأن الله عز اسمه قذف الرعب في قلوبهم، وقرئ: " جدار " (1) (بأسهم بينهم شديد) أي: قوتهم وشوكتهم فيما بينهم شديدة، فإذا لاقوكم جبنوا ولم يبق لهم بأس وشدة، لأن الشجاع يجبن عند محاربة الله ورسوله (تحسبهم جميعا) مجتمعين ذوي ألفة واتحاد في الظاهر (وقلوبهم شتى) متفرقة مختلفة لا ألفة فيها (لا يعقلون) ما فيه الرشد.
(كمثل الذين من قبلهم) أي: مثلهم كمثل الذين قتلوا ببدر في زمان قريب، وذلك قبل إجلاء بني النضير بستة أشهر، وانتصب (قريبا) ب‍ (مثل) على معنى:
كوجود مثل أهل بدر قريبا، وعن ابن عباس: إن الذين من قبلهم بنو قينقاع (2)، وذلك أنهم نقضوا العهد فرجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من بدر فأمرهم (عليه السلام) أن يخرجوا، فقال عبد الله بن أبي: لا تخرجوا فإني أدخل معكم الحصن فكان هؤلاء في ترك نصرتهم كأولئك (ذاقوا وبال أمرهم) سوء عاقبة كفرهم في الدنيا (ولهم عذاب أليم) في الآخرة.
مثل المنافقين في إغرائهم اليهود على القتال ووعدهم إياهم النصر ثم

(١) قرأه ابن كثير وأبو عمرو. راجع كتاب السبعة في القراءات: ص ٦٣٢.
(٢) حكاه عنه الشيخ الطوسي في التبيان: ج ٩ ص ٥٦٩.
(٥٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 532 533 534 535 536 537 538 539 540 541 542 ... » »»