تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٣ - الصفحة ٢٦١
داعي الحكمة إلى خلق السماء بعد خلق الأرض وما فيها من غير صارف يصرفه عن ذلك.
ومعنى أمر السماء والأرض بالإتيان، وقولهما: (أتينا طآئعين) أنه أراد تكوينهما وإنشائهما فلم تمتنعا عليه ووجدتا كما أرادهما، وليس هناك أمر على الحقيقة ولا جواب، وهو من المجاز الذي يسمى التمثيل، بمعنى: أنهما كانتا كالمأمور المطيع إذا ورد عليه أمر الآمر المطاع، وخلق سبحانه جرم الأرض غير مدحوة، ثم دحاها بعد خلق السماء، كما قال: ﴿والأرض بعد ذلك دحاها﴾ (١) فالمعنى: ائتيا على ما ينبغي أن تأتيا من الشكل والوصف: ائتي يا أرض مدحوة قرارا لسكانك، وائتي يا سماء سقفا مبنيا عليهم، ومعنى الإتيان: الحصول والوقوع، كما يقال: أتى عمل فلان مقبولا، وقوله: (طوعا أو كرها) مثل للزوم تأثير قدرته فيهما، وانتصابهما على الحال، أي: طائعتين أو مكرهتين، ولما خوطبن جعلن مجيبات ووصفن بالطوع والكره، وقيل: " طائعين " في موضع " طائعات " (٢) نحو قوله: ﴿كل في فلك يسبحون﴾ (٣)، ﴿رأيتهم لي ساجدين﴾ (4).
(فقضاهن) يجوز أن يرجع الضمير فيه إلى (السمآء) على المعنى، ويجوز أن يكون ضميرا مبهما مفسرا ب‍ (سبع سموات)، والفرق بينهما أن " سبع سماوات " على الوجه الأول نصب على الحال، وفي الثاني نصب على التمييز (وأوحى) أي: خلق أوامر (في كل سمآء أمرها) ما أمر به فيها ود بره من خلق الملائكة والنيرات وغير ذلك، أو: شأنها وما يصلحها (وزينا السماء الدنيا

(١) النازعات: ٣٠.
(٢) قاله الزجاج في معاني القرآن: ج ٤ ص ٣٨١.
(٣) الأنبياء: ٣٣، يس: ٤٠.
(٤) يوسف: ٤.
(٢٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 255 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 ... » »»