تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ١ - الصفحة ٤٣٣
فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا) * (99) * (توفيهم) * يجوز أن يكون ماضيا كقراءة من قرأ: " توفتهم " (1)، ويجوز أن يكون مضارعا بمعنى تتوفاهم، وقرئ في الشواذ: " توفاهم " (2) فيكون مضارع " وفيت "، والمعنى: أن الله يوفي الملائكة أنفسهم فيتوفونها، أي: يمكنهم من استيفائها فيستوفونها * (ظالمي أنفسهم) * في حال ظلمهم أنفسهم * (قالوا) * أي:
قال الملائكة للمتوفين: * (فيم كنتم) * أي: في أي شئ كنتم من أمر دينكم؟ * (قالوا كنا مستضعفين في الأرض) * وهم جماعة أسلموا بمكة ولم يهاجروا حين كانت الهجرة فريضة، فلما خرج المشركون إلى بدر لم يخلفوا أحدا إلا صبيا أو مريضا أو شيخا كبيرا، فخرج هؤلاء معهم فلما نظروا إلى قلة المسلمين ارتابوا، فأصيبوا فيمن أصيب من المشركين بهم، فنزلت (3) الآية فيهم، وصح قولهم: * (كنا مستضعفين) * جوابا عن * (فيم كنتم) * لأنه كالتوبيخ لهم بأنهم لم يكونوا في شئ من الدين حيث قدروا على المهاجرة ولم يهاجروا، فاعتذروا مما وبخوا به بالاستضعاف وأنهم لم يتمكنوا من الهجرة، فبكتهم الملائكة بأن قالوا: * (ألم تكن أرض الله وا سعة فتهاجروا فيها) * أي: كنتم قادرين على الخروج من مكة إلى بعض البلاد التي لا تمنعون فيها من إظهار دينكم، وهذا يدل على أن الإنسان إذا كان في بلد لا يتمكن فيه من إقامة أمر الدين لبعض العوائق وعلم أنه في غير بلده أقوم بحق الله وجبت عليه المهاجرة.
وفي الحديث: " من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبرا من الأرض

(1) انظر الكشاف: ج 1 ص 555، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 3 ص 334.
(2) قرأه إبراهيم كما حكاه عنه أبو حيان في البحر المحيط: ج 3 ص 334.
(3) راجع أسباب النزول للواحدي: ص 145 - 146.
(٤٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 428 429 430 431 432 433 434 435 436 437 438 ... » »»