____________________
السيول فذهبت به كل مذهب وما سفته الرياح فطرحته كل مطرح. فإن قلت: ما العامل في إذا؟ قلت: ما دل عليه - إنكم لفي خلق جديد - وقد سبق نظيره. فإن قلت: الجديد فعيل بمعنى فاعل أم مفعول؟ قلت: هو عند البصريين بمعنى فاعل، تقول جد فهو جديد كحد فهو حديد وقل فهو قليل، وعند الكوفيين بمعنى مفعول من جده إذا قطعه وقالوا: هو الذي جده الناسج الساعة في الثوب ثم شاع، ولهذا قالوا ملحفة جديد، وهي عند البصريين كقوله تعالى - إن رحمة الله قريب - ونحو ذلك. فإن قلت: لم أسقطت الهمزة في قوله أفترى دون قوله السحر وكلتاهما همزة وصل؟ قلت: القياس الطرح ولكن أمرا اضطرهم إلى ترك إسقاطها في نحو السحر وهو خوف التباس الاستفهام بالخبر لكون همزة الوصل مفتوحة كهمزة الاستفهام. فإن قلت: ما معنى وصف الضلال بالبعد؟
قلت: هو من الاسناد المجازي لان البعيد صفة الضال إذا بعد عن الجادة، وكلما أزداد عنها بعدا كان أضل.
فإن قلت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهورا علما في قريش وكان إنباؤه بالبعث شائعا عندهم فما معنى قوله - هل ندلكم على رجل ينبئكم - فنكروه لهم وعرضوا عليهم الدلالة عليه كما يدل على مجهول في أمر مجهول؟
قلت: كانوا يقصدون بذلك الطنز والسخرية، فأخرجوه مخرج التحلي ببعض الأحاجي التي يتحاجى بها للضحك والتلهي متجاهلين به وبأمره. أعموا فلم ينظروا إلى السماء والأرض، وأنهما حيثما كانوا وأينما ساروا أمامهم وخلفهم محيطتان بهم لا يقدرون أن ينفذوا من أقطارهما وأن يخرجوا عما هم فيه من ملكوت الله عز وجل، ولم يخافوا أن يخسف الله بهم أو يسقط عليهم كسفا لتكذيبهم الآيات وكفرهم بالرسول صلى الله عليه وسلم وبما جاء به كما فعل بقارون وأصحاب الأيكة (إن في ذلك) النظر إلى السماء والأرض والفكر فيهما وما يدلان عليه من قدرة الله (لاية) ودلالة (لكل عبد منيب) وهو الراجع إلى ربه المطيع له، لان المنيب لا يخلو من النظر في آيات الله على أنه قادر على كل شئ من البعث ومن عقاب من يكفر به قرئ يشأ ويخسف ويسقط بالياء لقوله تعالى - أفترى على الله كذبا - وبالنون لقوله - ولقد آتينا، وكسفا - بفتح السين وسكونه. وقرأ الكسائي يخسف بهم بالادغام وليست بقوية (يا جبال) إما أن يكون بدلا من فضلا وإما من آتينا بتقدير قولنا يا جبال أو قلنا يا جبال. وقرئ أوبى وأوبى من التأويب والأوب أي رجعي معه التسبيح، أو ارجعي معه في التسبيح كلما رجع فيه لأنه إذا رجعه فقد رجع فيه، ومعنى تسبيح الجبال أن الله سبحانه وتعالى يخلق فيها تسبيحا كما خلق الكلام في الشجرة فيسمع منها ما يسمع من المسبح معجزة لداود. وقيل كان ينوح على ذنبه بترجيع وتحزين، وكانت الجبال تسعده على نوحه بأصدائها والطير بأصواتها. وقرئ والطير رفعا ونصبا عطفا على لفظ الجبال ومحلها، وجوزوا أن ينتصب مفعولا معه وأن يعطف على فضلا بمعنى - وسخرنا له الطير -. فإن قلت: أي فرق بين هذا النظم وبين أن يقال وآتينا داود منا فضلا تأويب الجبال معه والطير؟ قلت: كم بينهما ألا ترى إلى ما فيه من الفخامة التي لا تخفى من الدلالة على عزة الربوبية وكبرياء الإلهية حيث جعلت الجبال منزلة منزلة العقلاء الذين إذا أمرهم أطاعوا وأذعنوا وإذا دعاهم سمعوا وأجابوا إشعارا بأنه ما من حيوان وجماد وناطق وصامت إلا وهو منقاد لمشيئته غير ممتنع على إرادته (وألنا له الحديد) وجعلناه له لينا كالطين والعجين والشمع يصرفه بيده كيف يشاء من غير نار ولا ضرب بمطرقة. وقيل لان الحديد في يده لما
قلت: هو من الاسناد المجازي لان البعيد صفة الضال إذا بعد عن الجادة، وكلما أزداد عنها بعدا كان أضل.
فإن قلت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهورا علما في قريش وكان إنباؤه بالبعث شائعا عندهم فما معنى قوله - هل ندلكم على رجل ينبئكم - فنكروه لهم وعرضوا عليهم الدلالة عليه كما يدل على مجهول في أمر مجهول؟
قلت: كانوا يقصدون بذلك الطنز والسخرية، فأخرجوه مخرج التحلي ببعض الأحاجي التي يتحاجى بها للضحك والتلهي متجاهلين به وبأمره. أعموا فلم ينظروا إلى السماء والأرض، وأنهما حيثما كانوا وأينما ساروا أمامهم وخلفهم محيطتان بهم لا يقدرون أن ينفذوا من أقطارهما وأن يخرجوا عما هم فيه من ملكوت الله عز وجل، ولم يخافوا أن يخسف الله بهم أو يسقط عليهم كسفا لتكذيبهم الآيات وكفرهم بالرسول صلى الله عليه وسلم وبما جاء به كما فعل بقارون وأصحاب الأيكة (إن في ذلك) النظر إلى السماء والأرض والفكر فيهما وما يدلان عليه من قدرة الله (لاية) ودلالة (لكل عبد منيب) وهو الراجع إلى ربه المطيع له، لان المنيب لا يخلو من النظر في آيات الله على أنه قادر على كل شئ من البعث ومن عقاب من يكفر به قرئ يشأ ويخسف ويسقط بالياء لقوله تعالى - أفترى على الله كذبا - وبالنون لقوله - ولقد آتينا، وكسفا - بفتح السين وسكونه. وقرأ الكسائي يخسف بهم بالادغام وليست بقوية (يا جبال) إما أن يكون بدلا من فضلا وإما من آتينا بتقدير قولنا يا جبال أو قلنا يا جبال. وقرئ أوبى وأوبى من التأويب والأوب أي رجعي معه التسبيح، أو ارجعي معه في التسبيح كلما رجع فيه لأنه إذا رجعه فقد رجع فيه، ومعنى تسبيح الجبال أن الله سبحانه وتعالى يخلق فيها تسبيحا كما خلق الكلام في الشجرة فيسمع منها ما يسمع من المسبح معجزة لداود. وقيل كان ينوح على ذنبه بترجيع وتحزين، وكانت الجبال تسعده على نوحه بأصدائها والطير بأصواتها. وقرئ والطير رفعا ونصبا عطفا على لفظ الجبال ومحلها، وجوزوا أن ينتصب مفعولا معه وأن يعطف على فضلا بمعنى - وسخرنا له الطير -. فإن قلت: أي فرق بين هذا النظم وبين أن يقال وآتينا داود منا فضلا تأويب الجبال معه والطير؟ قلت: كم بينهما ألا ترى إلى ما فيه من الفخامة التي لا تخفى من الدلالة على عزة الربوبية وكبرياء الإلهية حيث جعلت الجبال منزلة منزلة العقلاء الذين إذا أمرهم أطاعوا وأذعنوا وإذا دعاهم سمعوا وأجابوا إشعارا بأنه ما من حيوان وجماد وناطق وصامت إلا وهو منقاد لمشيئته غير ممتنع على إرادته (وألنا له الحديد) وجعلناه له لينا كالطين والعجين والشمع يصرفه بيده كيف يشاء من غير نار ولا ضرب بمطرقة. وقيل لان الحديد في يده لما