الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٤٣
* فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون * إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون *
____________________
العمى على الهدى فحقت كلمة العذاب على أهل العمى دون البصراء، ألا ترى إلى ما عقبه به من قوله (فذوقوا بما نسيتم) فجعل ذوق العذاب نتيجة فعلهم من نسيان العاقبة وقلة الفكر فيها وترك الاستعداد لها، والمراد بالنسيان خلاف التذكر: يعني أن الانهماك في الشهوات أذهلكم وألهاكم عن تذكر العاقبة وسلط عليكم نسيانها، ثم قال (إنا نسيناكم) على المقابلة: أي جازيناكم جزاء نسيانكم. وقيل هو بمعنى الترك: أي تركتم الفكر في العاقبة فتركناكم من الرحمة، وفي استئناف قوله إنا نسيناكم وبناء الفعل على إن واسمها تشديد في الانتقام منهم، والمعنى: فذوقوا هذا: أي ما أنتم فيه من نكس الرؤوس والخزي والغم بسبب نسيان اللقاء. وذوقوا العذاب المخلد في جهنم بسبب ما عملتم من المعاصي والكبائر الموبقة (إذا ذكروا بها) اي وعظوا سجدوا تواضعا لله وخشوعا وشكرا على ما رزقهم من الاسلام (وسبحوا بحمد ربهم) ونزهوا الله من نسبة القبائح إليه وأثنوا عليه حامدين له (وهم لا يستكبرون) كما يفعل من يصر مستكبرا كأن لم يسمعها ومثله قوله تعالى - إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا - (تتجافى) ترتفع وتتنحى (عن المضاجع) عن الفرش ومواضع النوم. داعين ربهم عابدين له لأجل خوفهم من سخطه وطمعهم في رحمته وهم المتهجدون. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسيرها: قيام العبد من الليل. وعن الحسن رضي الله عنه أنه التهجد. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة جاء مناد ينادي بصوت يسمع الخلائق كلهم: سيعلم أهل الجمع اليوم من أولى بالكرم، ثم يرجع فينادى: ليقم الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع، فيقومون وهم قليل، ثم يرجع فينادى: ليقم الذين كانوا يحمدون الله في البأساء والضراء، فيقومون وهم قليل، فيسرحون جميعا إلى الجنة ثم يحاسب سائر الناس " وعن أنس بن مالك رضي الله عنه " كان أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء الآخرة فنزلت فيهم " وقيل هم الذين يصلون صلاة العتمة لا ينامون عنها (ما أخفى لهم) على البناء للمفعول، ما أخفى لهم على البناء للفاعل وهو الله سبحانه وما أخفى لهم وما تخفى لهم وما أخفيت لهم الثلاثة للمتكلم وهو الله سبحانه، وما بمعنى الذي أو بمعنى أي، وقرئ قرة أعين وقرأت أعين، والمعنى:
لا تعلم النفوس كلهن ولا نفس واحدة منهن لا ملك مقرب ولا نبي مرسل أي نوع عظيم من الثواب ادخر الله لأولئك وأخفاه من جميع خلائقه لا يعلمه إلا هو مما تقربه عيونهم ولا مزيد على هذه العدة ولا مطمح وراءها، ثم قال (جزاء بما كانوا يعملون) فحسم أطماع المتمنين. وعن النبي صلى الله عليه وسلم " يقول الله تعالى: أعددت
(٢٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 ... » »»