التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٨
مجرى قول القائل: قد رأيت ما كان منك اليوم ثم ما كان منك أمس، وإن كان ما كان أمس قبل ما يكون اليوم.
والثالث - انه معطوف على معنى واحدة كأنه قال من نفس واحدة بمعنى أوجد ها.
وقيل: إنه لا يمتنع أن يكون المراد بقوله (زوجها) غير حواء، بل يريد المزدوج من نسل آدم من الذكور والإناث، فكأنه قال تعالى (هو الذي خلقكم من نفس واحدة) وهي آدم عليه السلام ثم جعل المزدوج من نسل هذه النفس، وهذا لا محالة متأخر عن خلق النفس الواحدة التي هي آدم. وقيل أيضا: إن سبب دخول (ثم) أن الاعتداد بهذه النعمة، والذكر لها على الامتنان، إنما كان بعد ذكر خلقنا من نفس واحدة، فكأنه قال: هو الذي ذكر لكم واعتد عليكم بأنه خلقكم من نفس واحدة، ثم عطف على هذا الاعتداد والامتنان ذكر نعمة أخرى، وهي ان زوج هذه النفس المخلوقة مخلوقة منها. فزمان الخلق المزوج وإن كان متقدما، فزمان ذكره والاعتداد به متزاوج، وزمان الذكر للنعم والاعتداد بها غير الترتيب في زمان الايجاد والتكوين، كما يقول أحدنا لغيره: لي عليك من النعم كذا اليوم، ثم كذا أمس، وإن كان المعطوف متقدما على المعطوف عليه إذا كان زمان الامتنان بذلك على خلاف ترتيب زمان ايصال النعم. وقيل:
إن المراد ب‍ (ثم) الواو، فإنه قد يستعمل الواو بمعنى (ثم) و (ثم) بمعنى الواو، لان معنى الجمع الانضمام، وإن أراد بعضه على بعض. قال الله تعالى (فالينا مرجعهم ثم الله شهيد) (1) ومعناه والله شهيد.
وقوله (وانزل لكم من الانعام ثمانية أزواج) قال الحسن: معناه وجعل لكم منها. وقال: أنزلها بعد ان خلقها في الجنة ويعني بها، الإبل، والبقر،

(1) سورة 10 يونس آية 46
(٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 ... » »»
الفهرست