سولت له نفسه ذلك من أمره. وقد بين الله تعالى ذلك في موضع آخر فقال " زين لهم الشيطان أعمالهم " (1).
وقوله " وصد عن السبيل " من ضم أراد انه صده غيره. ومن فتح أراد انه صد نفسه وغيره. ثم قال تعالى " وما كيد فرعون إلا في تباب " يعني في هلاك. والتباب الهلاك بالانقطاع، ومنه قوله " تبت يدا أبي لهب " (2) أي خسرت بانقطاع الرجاء، ومنه تبا له. وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة: معنى " تباب " خسران.
ثم حكى تعالى ما قال مؤمن آل فرعون في قوله " وقال الذي آمن يا قوم اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد " وهو الايمان بالله وتوحيده وإخلاص العبادة له والاقرار بموسى عليه السلام وقال لهم أيضا على وجه الوعظ لهم والزجر عن المعاصي " يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع " يعني انتفاع قليل، ثم يزول بأجمعه ويبقى وزره وآثامه " وإن الآخرة هي دار القرار " أي دار مقام، وسميت دار قرار لاستقرار الجنة بأهلها واستقرار النار بأهلها. والقرار المكان الذي يستقر فيه.
ثم قال (من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها) ومعناه أي من عمل معصية فليس يجازى إلا مقدار ما يستحقه عليها من العقاب لا أكثر من ذلك (ومن عمل صالحا من ذكر أو انني وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة) جزاء على إيمانهم (يرزقون فيها بغير حساب) أي زيادة على ما يستحقونه تفضلا منه تعالى، ولو كان على مقدار العمل فقط لكان بحسابه. قال الحسن: هذا كلام مؤمن آل فرعون. ويحتمل أن يكون ذلك اخبارا منه تعالى عن نفسه.