التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٣٦٠
والرياض الخضرة في الأنواع المتشاكلة والمباري المصطفة خلالها الأنهار الجارية.
وقوله " تبصرة وذكرى لكل عبد منيب " أي فعلنا ذلك وخلقناه على ما وصفناه ليتبصر به ويتفكر به كل مكلف كامل العقل يريد الرجوع إلى الله والإنابة إليه.
ثم قال " ونزلنا من السماء ماء مباركا " يعني مطرا وغيثا " فأنبتنا به " بذلك الماء " جنات " أي بساتين فيها أشجار تجنها " وحب الحصيد " يعني البر والشعير، وكل ما يحصد - في قول قتادة - لان من شأنه ان يحصد، والحب هو الحصيد، وإنما أضافه إلى نفسه، كما قال " لحق اليقين " (1) وكما قالوا: مسجد الجامع وغير ذلك. وقوله " والنخل " عطف على (جنات) فلذلك نصبه و " باسقات " أي عاليات يقال: بسقت النخلة بسوقا قال ابن نوفل لابن هبيرة:
يا بن الذين بفضلهم * بسقت على قيس فزاره (2) وقال ابن عباس " باسقات " طوال النخل، وبه قال مجاهد وقتادة " لها طلع نضيد " أي لهذه النخل التي وصفها بالعلو " طلع نضيد " نضد بعضه على بعض - في قول مجاهد وقتادة - وقوله " رزقا للعباد " أي خلقنا ما ذكرنا من حب الحصيد والطلع النضيد رزقا للعباد وغذاء لهم، وهو نصب على المصدر أي رزقناهم رزقا، ويجوز أن يكون مفعولا له أي لرزق العباد والرزق هو ما للحي الانتفاع به على وجه ليس لغيره منعه منه، والحرام ليس برزق، لان الله تعالى منع منه بالنهي والحظر وكل رزق فهو من الله تعالى إما بأن يفعله أو يفعل سببه، لأنه مما يريده. وقد يرزق الواحد منا غيره، كما يقال: رزق السلطان الجند.
وقوله " وأحيينا به بلدة ميتا " أي أحيينا بذلك الماء الذي أنزلنا من السماء

(1) سورة 69 الحاقة آية 51 (2) تفسير الطبري 26 / 87
(٣٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 355 356 357 358 359 360 361 362 363 364 365 ... » »»
الفهرست