التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٣٤٤
فالأمان غير حاصل في العمل بخبره. وفى الناس من استدل به على وجوب العمل بخبر الواحد إذا كان راويه عدلا، من حيث إنه أوجب تعالى التوقف في خبر الفاسق، فدل على أن خبر العدل لا يجب التوقف فيه. وهذا الذي ذكروه غير صحيح، لأنه استدلال بدليل الخطاب ودليل الخطاب ليس بدليل عند جمهور العلماء. ولو كان صحيحا فليست الآية بأن يستدل بدليلها على وجوب العمل بخبر الواحد إذا كان عدلا بأولى من أن يستدل بتعليلها في دفع الأمان من أن يصاب بجهالة إذا عمل بها على أن خبر العدل مثله، على أنه لا يجب العمل بخبر الواحد، وإن كان راويه عدلا.
فان قيل: هذا يؤدي إلى أن لا فائدة في إيجاب التوقف في خبر الفاسق إذا كان خبر العدل مثله في الفائدة.
قلنا: والقول بوجوب العمل بخبر الواحد يوجب أنه لا فائدة في تعليل الآية في خبر الفاسق الذي يشاركه العدل فيه، فإذا تقابلا سقط الاستدلال بها على كل حال وبقي الأصل في أنه لا يجوز المل بخبر الواحد إلا بدليل.
ومن قرأ (تبينوا) أراد تعرفوا صحة متضمن الخبر الذي يحتاج إلى العمل عليه، ولا تقدموا عليه من غير دليل، يقال: تبين الامر إذا ظهر، وتبين هو نفسه بمعنى واحد، ويقال أيضا: تبينته إذا عرفته. ومن قرأ (فتثبتوا) - بالتاء والثاء - أراد توقفوا فيه حتى يتبين لكم صحته.
وقوله (فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) معناه حتى عملتم بخبر الواحد وبان لكم كذب راويه أصبحتم نادمين على ما فعلتموه.
ثم خاطبهم يعني المؤمنين فقال (واعلموا) معاشر المؤمنين (أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الامر لعنتم) ومعناه لو فعل ما تريدونه في كثير من
(٣٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 339 340 341 342 343 344 345 346 347 348 349 ... » »»
الفهرست