التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٣٢
من زعم أن الله سبحانه يريد بانزاله إضلال الكافرين عن الايمان، لأنه لو كان كذلك لم يكن منزلا على أنه حق وجب النظر في موجبه ومقتضاه، فما رغب فيه وجب العمل به وما حذر منه وجب اجتنابه، وما صححه وجب تصحيحه وما أفسده وجب افساده، وما دعا إليه فهو الرشد، وما صرف عنه فهو الضلال.
ثم قال (فمن اهتدى) يعني بما فيه من الأدلة (فلنفسه) لان منفعة عاقبته من الثواب تعود عليه (ومن ضل) عنه وحاد (فإنما يضل عليها) يعني على نفسه، لان وخيم عاقبته من العقاب تعود عليه. ثم قال (وما أنت) يا محمد (عليهم بوكيل) أي بحفيظ ولا رقيب وإنما عليك البلاغ والوكيل القائم بالتدبير. وقيل (ما أنت عليهم بوكيل) معناه وما أنت عليهم برقيب في ايصال الحق إلى قلوبهم وحفظه عليهم حتى لا يتركوه ولا ينصرفوا عنه، ولا تقدر على إكراههم على الاسلام، وإنما الله تعالى القادر عليه.
قوله (الله يتوفى الأنفس حين موتها) معناه انه يقبضها إليه إذا أراد إمانتها بأن يقبض روحها بأن يفعل فيها الموت " والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت " فلا يردها إليه " ويرسل الأخرى.. " التي يريد ابقائها إلى أن تستوفي اجلها الذي قدره لها. وقد ذكرنا ما روي عن ابن عباس من أن قبض الروح يكون منه ميتا. وقبض النفس يكون به فاقدا للتمييز والعقل، وإن لم يفقد حياته.
والفرق بين قبض النوم والموت ان قبض النوم يضاد اليقظة، وقبض الموت يضاد الحياة وقبض النوم تكون الروح معه في البدن، وقبض الموت يخرج الروح منه عن البدن، وقال سعيد بن جبير والسدي: ان أرواح الاحياء إذا ناموا تجتمع مع أرواح الأموات، فإذا أرادت الرجوع إلى الأجساد أمسك الله أرواح
(٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 ... » »»
الفهرست