التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٢٩
والثاني - من يحكم بهدايته ويسميه هاديا فلا أحد يمكنه ان يحكم بضلالته على الحقيقة.
ثم قرر خلقه فقال (أليس الله بعزيز) اي قادر قاهر لا يقدر أحد على مغالبته (ذي انتقام) من أعدائه والجاحدين لنعمته.
ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله (ولئن سألتهم) يا محمد يعني هؤلاء الكفار (من خلق السماوات والأرض) وانشأها واخترعها وأوجدها بعد أن كانت معدومة (ليقولن الله) الفاعل لذلك، لأنهم لو أحالوا على غيره لبان كذبهم وافتراؤهم، لأنه لا يقدر على ذلك إلا القادر لنفسه الذي لا يعجزه شئ. ثم قال (قل) لهم (أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته) فمن أضاف لم يعمل اسم الفاعل. ومن نون أعمله، وهما جميعا جيدان. والمعنى إن من يعجز عن النفع والضر وكشف الكرب عمن يتقرب إليه ولا يتأنى منه ذلك كيف يحسن عبادته؟! وإنما تحسن العبادة لمن يقدر على جميع ذلك ولا يلحقه عجز ولا منع، وهو الله تعالى.
والوجه في الزام من خلق السماوات والأرض إخلاص العبادة له أن من خلق السماوات والأرض هو القادر على النفع والضر بما لا يمكن أحد منعه ويمكنه منع كل أحد من خير أو شر، والعبادة أعلى منزلة الشكر، لأجل النعم التي لا يقدر عليها غير الله، فمن أقر بخلق السماوات والأرض لزمه إخلاص العبادة لمن خلقهما ومن لم يقر دل عليه بما يلزمه الاقرار به.
ثم قال (قل) لهم يا محمد (حسبي الله) أي يكفني الله (عليه يتوكل المتوكلون) فالتوكل رد التدبير إلى من يقدر على الاحسان فيه، فلما كان لا يقدر على الاحسان في جميع التدبير الذي يصلح الانسان إلا الله تعالى وجب على
(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»
الفهرست