التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٢٤
تعالى " وجعلنا ابن مريم وأمه آية " (1) ولوثني لكان حسنا - في قول الفراء - وقوله " لعلهم يتقون " معناه لكي يتقوا معاصي الله خوفا من عقابه.
ثم قال تعالى " ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون " فالتشاكس التمانع والتنازع، تشاكسوا في الامر تشاكسا، وفي الشركاء تشاكس في البيع، وتدبير المملوك ونحو ذلك " ورجلا سلما لرجل " فضرب المثل للموحد بعبادته الله تعالى وحده - عز وجل - والمشرك بعبادته غير الله - في قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد - (هل يستويان مثلا) في حسن الحال، لا يستويان لان الخالص لمالك واحد يستحق من معونته وحياطته ما لا يستحقه صاحب الشركاء المختلفين في امره.
ثم قال (الحمد لله) يعني المستحق للشكر والثناء على الحقيقية هو الله تعالى (بل أكثرهم لا يعلمون) حقيقة، لجهلهم بالله ومواضع نعمه. ثم قال لنبيه (إنك يا محمد (ميت) أي عاقبتك الموت، وكذلك هؤلاء لان (كل نفس ذائقة الموت) (2) (ثم إنكم) يبعثكم الله (يوم القيامة) ويحشركم يوم القيامة فتختصمون عند الله. ومعناه كل طائفة منكم ترد على صاحبتها يوم القيامة وتخاصمها، فالاختصام رد كل واحد من الاثنين ما اتى به الآخر على وجه الانكار عليه. وقد يكون أحدهما - محقا والآخر مبطلا كالموحد والملحد. وقد يكونان جميعا مبطلين كاختصام اليهودي والنصراني، وقد يكونان جميعا محقين إذا قطع كل واحد منهما على صواب اعتقاده دون غيره، ويكون اختصامهم في الآخرة بذم رؤساء الضلالة في ما دعوهم إليه ودفع أولئك عن أنفسهم، فيقول الأولون: لولا أنتم لكنا مؤمنين

(1) سورة 23 المؤمنين آية 51 (2) سورة 3 آل عمران آية 185 وسورة 21 الأنبياء آية 35 وسورة 29 العنكبوت آية 57
(٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 ... » »»
الفهرست