التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٢٨١
لا يلبث من خير أو شر، فلما رأو العارض ظنوا انه عارض خير بالمطر، فقيل لهم ليس الامر كما ظننتم " بل هو ما استعجلتم " أي هو عارض من العذاب الذي استعجلتموه وطلبتموه مكذبين به، وقال (عارض) نكرة و (ممطرنا) معرفة، وإنما وصفه به لان التقدير ممطر إيانا، كقولك: مررت برجل مثلك أي مثل لك ثم فسره فقال " هو ريح فيه عذاب عظيم " أي مؤلم، وسمي السحاب عارضا، لاخذه في عرض السماء، وقال الأعشى:
يامن رأى عارضا قدبت أرمقه * كأنما البرق في حافاته الشعل (1) وقيل: كانت الريح ترفع الظعينة بحملها حتى ترى كأنها جرادة - في قول عمرو بن ميمون - وقوله تعالى " تدمر كل شئ " أي تخرب وتلقي بعض الأشياء على بعض حتى تهلك، قال جرير:
وكان لهم كبكر ثمود لما رغا * ظهرا فدمر هم دمارا (2).
وقوله " فأصبحوا " يعني أهل الأحقاف " لا يرى إلا مساكنهم " وما عداها قد هلك. فمن فتح التاء نصب النون من (مساكنهم) على وجه الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله. ومن ضم الياء ضم النون وتقديره فأصبحوا لا يرى شئ في مساكنهم وقرأ الحسن بالتاء والضم. وقال النحويون: القراءة بالياء ضعيفة في العربية، لان العرب تذكر ما قبل (الا) في الجحد، فتقول: ما قام إلا أختك، لان المحذوف (أحد) وتقديره ما قام أحد إلا أختك قامت.
ثم قال تعالى مثل ما أهلكنا أهل الأحقاف وجازيناهم بالعذاب " كذلك نجزي القوم المجرمين " الذين سلكوا مسلكهم.

(1) ديوانه (دار بيروت) 146 (2) تفسير الطبري 26 / 16.
(٢٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 ... » »»
الفهرست