ثم نبه تعالى خلقه على وجه الدلالة على توحيده، فقال (الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره) ووجه الدلالة من تسخير البحر لتجري الفلك فيه بأمره، لنبتغي بتسخيره من فضل الله، فهو محسن في فعله يستحق الشكر به على وجه لا يجوز لغيره، وإن أحسن، لأنه أعظم من كل نعمة. وبين انه إنما فعل ذلك لكي يشكروه على نعمه. ثم قال (وسخر لكم) معاشر الخلق (ما في السماوات وما في الأرض جميعا) من شمس وقمر ونجم وهواء وغيث وغير ذلك وجعل السماء سقفا مزينا وجوهرا كريما وسخر الأرض للاستقرار عليها وما يخرج من الأقوات منها من ضروب النبات والثمار والبر فيها إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة من ضروب نعمه مما لا يحاط به علما، وسهل الوصول إلى الانتفاع به تفضلا (منه) على خلقه. ثم بين (إن في ذلك) يعني في ما بينه (لآيات) ودلالات (لقوم يتفكرون) فيه ويعتبرون به.
ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله (قل الذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله) أي لا يخافون عذاب الله إذا أنالوكم الأذى والمكروه، ولا يرجون ثوابه بالكف عنكم. وقيل: معناه لا يرجون ثواب الله للمؤمنين، إن الله يعرفهم عقاب سيئاتهم بما عملوا من ذلك وغيره. ومعنى (يغفروا) ههنا يتركوا مجازاتهم على أذاهم ولا يكافوهم ليتولى الله مجازاتهم. وقال ابن عباس وقتادة وابن زيد والضحاك: هو من المنسوخ. وقال أبو صالح: نسخها قوله (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا) (1) و (يغفروا) جواب أمر محذوف دل عليه الكلام، وتقديره: قل لهم اغفروا يغفروا وصار (قل لهم) على هذا الوجه يغني عنه. وقال الفراء: معناه في الأصل حكاية بمنزلة الامر كقولك: قل للذين آمنوا اغفروا، وإذا ظهر الامر مصرحا فهو مجزوم