التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٢٣
الاستحيا، يقال ما استحيا وما تخزى، ورأيته خزيان نادما، قال الشاعر:
ولا أنت دياني فتخزوني قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ويعقوب (ورجلا سالما) على وزن (فاعل) معناه خالصا لا يشركه فيه غيره لان الله تعالى ضرب مثلا للمؤمن والكافر، فشبه الكافر بشركاء متنازعين مختلفين، والمؤمن من عبد إلها واحدا. الباقون " سلما لرجل " على المصدر من قولهم: سلم فلان الله سلما بمعنى خلص له خلوصا، كما يقولون:
ربح الرجل في تجارته ربحا وربحا: وسلم سلما وسلما وسلامة، وتقديره ذا سلم، فمعنى " إذا قهم الله " أي جعلهم يدركون الألم، كما يدرك الذائق الطعام، والخزي الذل الذي يستحيا من مثله بما فيه من الفضيحة، وخزيهم في الحياة الدنيا هو ما فعله بهم من العذاب العاجل من إهلاكهم واستئصالهم الذي يبقى ذكره على الأبد. ثم قال تعالى " ولعذاب الآخرة أكبر " مما فعل بهم في دار الدنيا " لو كانوا يعلمون " صدق ما أخبرنا به.
ثم اقسم تعالى بأن قال " ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون " فالتذكر طلب الذكر بالفكر، وهذا حث على طلب الذكر المؤدي إلى العلم، والمعنى لكي يتذكروا، ويتعظوا فيجتنبوا ما فعل من تقدم من الكفر والمعاصي، لئلا يحل بهم كما حل بأولئك. وقوله " قرآنا عربيا " أي أنزلناه قرآنا عربيا غير ذي عوج أي غير ذي ميل عن الحق بل هو مستقيم موصل إلى الحق، ويقال في الكلام عوج - بكسر العين - إذا عدل به عن جهة الصواب.
والمثل علم شبه به حال الثاني بالأول. والمثال مقياس يحتذى عليه، وإنما قال:
ضربنا مثلا واحدا، ولم يقل مثلين، لأنهما جميعا ضربا مثلا واحدا، ومثله قوله
(٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 ... » »»
الفهرست