التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٢٢٧
الناس. ثم حكى تعالى بأن هؤلاء الكفار يقولون عند ذلك (هذا عذاب أليم) أي مؤلم موجع. والغشى اللباس الذي يغمر الشئ، لان الانسان قد يلبس الإزار ولا يغشيه. فإذا غمه كان قد غشاه. والغاشية من الناس الجماعة يغشون، وغاشية السرج من ذلك، ومنه قوله (يغشى الليل النهار) (1) والعذاب استمرار الألم ووصفه ب‍ (أليم) مبالغة في سببه، لأجل استمراره وصار بالعرف عبارة عن العقاب، لان الألم الذي يفعل للعوض والاعتبار، كأنه لا يعتد به لما يؤول إليه من النفع.
قوله تعالى:
(ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون (12) أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين (13) ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون (14) إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون (15) يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون) (16) خمس آيات بلا خلاف.
لما اخبر الله تعالى أن الدخان يغشى الناس عذابا لهم وعقابا للكفار، وحكى أنهم يقولون هذا عذاب أليم، حكى أيضا انهم يقولون ويدعون (ربنا اصرف عنا العذاب) الذي أنزلته من الدخان إنا موقنون) بأنه لا إله غيرك، وأن لا يستحق العبادة سواك. فقال تعالى (أني لهم الذكرى) قال ابن عباس معناه (كيف)؟ وقال غيره معناه من أين لهم الذكرى (وقد جاءهم رسول مبين) وحثهم على ذلك فلم يقبلوا منه، وهذا زمان سقوط التكليف لكونهم ملجئين

(1) سورة 7 الأعراف آية 53 وسورة 13 الرعد آية 3
(٢٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 ... » »»
الفهرست