التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٢٢٤
وقوله (والكتاب المبين) فالمراد بالكتاب القرآن، وجره بأنه قسم.
وقال قوم: تقديره ورب الكتاب المبين، وإنما أقسم به لينبئ عن تعظيمه. لان القسم يؤكد الخبر بذكر المعظم منعقدا بما يوجب أنه حق كما أن تعظيمه حق. وإنما وصف بأنه مبين وهو بيان مبالغة في وصفه بأنه بمنزلة الناطق بالحكم الذي فيه من غير أن يحتاج إلى استخراج الحكم من مبين غيره، لأنه يكون من البيان مالا يقوم بنفسه دون مبين حتى يظهر المعنى فيه.
وقوله (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) إخبار منه تعالى أنه انزل القرآن في الليلة المباركة، وهي ليلة القدر - في قول قتادة وابن زيد - وقال قوم: هي ليلة النصف من شعبان. والأول أصح لقوله تعالى (شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن) (1) وقيل هي في كل شهر رمضان فيها تقسم الآجال والأرزاق وغيرهما من الألطاف - في قول الحسن - وقيل: انزل إلى السماء الدنيا في ليلة القدر.
ثم انزل نجوما على النبي صلى الله عليه وآله وقيل ينزل في ليلة القدر قدر ما يحتاج إليه في تلك السنة. وقيل المعنى إن ابتداء انزاله في ليلة مباركة، ووصفها. بأنها مباركة لان فيها يقسم الله تعالى نعمه على عباده من السنة إلى السنة. والبركة نماء الخير، وضده الشؤم وهو نماء الشر، فالليلة التي انزل فيها كتاب الله مباركة، فان الخير ينمى فيها على ما دبره الله لها من علو الخير الذي قسمه فيها.
وقوله (إنا كنا منذرين) فالانذار الاعلام بموضع الخوف ليتقى وموضع الامن ليرتجى، فالله تعالى قد انذر العباد بأتم الانذار من طريق العقل والسمع وقوله (فيها يفرق كل أمر حكيم) فحكيم - ههنا - بمعنى محكم، وهو ما بيناه من أنه تعالى يقسم في هذه الليلة الآجال والأرزاق وغيرها.

(1) سورة 2 البقرة آية 185
(٢٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 ... » »»
الفهرست