نفر تساروا، فقال بعضهم لبعض: أترى الله يسمع أسرارنا؟ وقال الفراء: معناه لم تكونوا تخافون ان تشهد عليكم جوارحكم فتستتروا منها ولم تكونوا تقدروا على الاستتار منها، ويكون على وجه التغيير أي ولم تكونوا تستترون منها.
وقوله (ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون) وصف لهؤلاء الكفار بأنهم ظنوا انه تعالى يخفى عليه أسرارهم ولا يعلمها، فبين الله بذلك جهلهم به تعالى، وانهم وإن علموه من جهة انه قادر غير عاجز وعالم بما فعلوا فإذا ظنوا انه يخفى عليه شئ منها فهو جاهل على الحقيقة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وفي قراءة عبد الله (ولكن زعمتم) قال الفراء: الزعم والظن يكونان بمعنى واحد وقد يختلفان.
ثم حكى ما يخاطبهم به فإنه يقال لهم (وذلكم ظنكم) معاشر الكفار (الذي ظننتم بربكم أرادكم) أي أهلككم يقال: ردى فلن يردى إذا هلك قال الأعشى:
أي الطوف خفت علي الردى * وكم من رد أهله لم يرم (1) وقوله (فأصبحتم من الخاسرين) معناه فظللتم من جملة من خسر في تجارته لأنكم خسرتم الجنة وحصل لكم النار. ثم قال (فان يصبروا فالنار مثوى لهم) قال البلخي: معناه فان يتخيروا المعاصي فالنار مصير لهم، وقال قوم: معناه وإن يصبروا في الدنيا على المعاصي فالنار مثواهم (وإن يستعتبوا) - بضم الياء - قرأ به عمرو ومعناه إن طلب منهم العتبى لم يعتبوا أي لم يرجعوا ولم ينزعوا.
وقال قوم: المعنى فان يصبروا أو يجزعوا فالنار مثوى لهم، (وإن يستعتبوا) معناه فان يجزعوا فيستعتبوا (فما هم من المعتبين) لأنه ليس يستعتب إلا من قد جزع مما قد اصابه، فطلب العتبى حينئذ، كما قال (اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا