التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٨ - الصفحة ٨٩
أعطيت كل شئ، لفظه لفظ العموم والمراد به المبالغة في كثرة ما أوتيت من نعم الدنيا وسعة الملك. وقيل: انها أوتيت كل شئ يؤتى الملوك، والعرش العظيم سرير كريم معمول من ذهب وقوائمه من لؤلؤ وجوهر - في قول ابن عباس - ثم اخبر انه وجدها " وقومها يسجدون للشمس من دون الله " وأن الشيطان زين ذلك لهم فهم لا يهتدون إلى سبيل الحق والتوحيد واخلاص العبادة لله تعالى.
ثم قال الهدهد على وجه التوبيخ والتهجين لفعلهم " ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبأ في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون " والخب ء هو المخبوء، وهو ما أحاط به غيره حتى منع من إدراكه. وضع المصدر موضع الصفة خبأته اخبائه خبأ. وما يوجده الله ويخرجه من العدم إلى الوجود فهو بهذه المنزلة فخب ء السماء الأمطار والرياح، وخبء الأرض الأشجار والنبات " ويعلم ما تخفون وما تعلنون " فمن قرأ بالتاء جعله للمخاطبين. ومن قرأ بالياء فللغائبين. والخب ء والخفاء نظائر، وقيل الخب ء الغيب، وهو كل ما غاب عن الادراك.
وقوله " فهم لا يهتدون " دليل على أن المعارف ليست ضرورة، لأنه أراد لا يهتدون إلى دين الله. وقال الجبائي: لم يكن الهدهد عارفا بالله وإنما أخبر بذلك، كما يخبر مراهقو صبياننا، لأنه لا تكليف عليهم ولا تكيف إلا على الملائكة والجن والانس، وهذا الذي ذكره خلاف الظاهر، لان الاحتجاج الذي حكاه الله عن الهدهد احتجاج عارف بالله وبما يجوز عليه ومالا يجوز، لأنه قال " وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله " ولا يجوز أن يفرق بين الحق في السجود لله وبين الباطل الذي هو السجود للشمس، وان أحدهما حسن
(٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 ... » »»
الفهرست