اقترحوها أو آيات كما أنزل على موسى وعيسى، قال الله لهم " أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك " يا محمد " الكتاب " يعني القرآن " يتلى عليهم " فبين أن في القرآن دلالة واضحة وحجة بالغة ينزاح معه العلة وتقوم به الحجة لا يحتاج معه إلى غيره في الوصول إلى العلم بصحة نبوته وأنه مبعوث من عند الله، مع أن اظهار المعجزات مع كونها لإزاحة العلة يراعى فيها المصلحة. فإذا كانت المصلحة في اظهار نوع منها لم يجز إظهار غيرها، ولو اظهر الله الاعلام التي اقترحوها ثم لم يؤمنوا، لاقتضت المصلحة استئصالهم كما اقتضت في الأمم الماضية، وقد وعد الله أن هذه الأمة لا تعذب بعذاب الاستئصال، كما قال " وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون " (1). والكفاية بلوغ حد ينافي الحاجة، يقال: كفى بكفي كفاية، فهو كاف. وقيل: إن الآية نزلت في قوم كتبوا شيئا من كتب أهل الكتاب شبه الخرافات، فقال الله تعالى * (أولم يكفهم) * القرآن تهديدا لهم ومنعا من التعرض لغيره. وقولهم: كفى الله معناه أنه فعل ما ينافي الحاجة بالنصرة. والتلاوة هي القراءة وسميت تلاوة لأنه يتلو حرف حرفا في التلاوة. والقرآن مشتق من جمع الحروف بعضها إلى بعض.
ثم بين الله تعالى * (إن في ذلك) * أي القرآن * (لرحمة) * أي نعمة * (وذكرى) * اي ما يتذكر به ومعتبر * (لقوم يؤمنون) * يصدقون به ويعتبرون وإنما أضافه إليهم، لأنهم الذين ينتفعون به. ثم أمر نبيه صلى الله عليه وآله أن يقول * (كفى بالله) * أي كفى الله. والباء زائدة * (بيني وبينكم شهيدا) * يشهد بالحق.
والشاهد والشهيد واحد، وفيه مبالغة، والشهادة هي الخبر بالشئ عن مشاهدة تقوم به الحجة في حكم من أحكام الشرع، ولذلك لم يكن خبر من لا تقوم به