التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٧ - الصفحة ٣٩١
إلا على النفي والتبعيد. واتخاذ الولد: أن يجعل الجاعل ولد غيره يقوم مقام ولده لو كان له. وكذلك التبني إنما هو جعل الجاعل ابن غيره يقوم مقام ابنه الذي يصح أن يكون ولدا له. ولذلك لا يقال: تبنى شاب شيخا، ولا تبنى الانسان بهيمة، لما استحال أن يكون ذلك ولدا له، ولا يجوز أن يقال: اتخذه ولدا، إذا اختصه بضرب من المحبة، لان في ذلك إخراج الشئ عن حقيقته كما أن تسمية ما ليس بطويل عريض عميق جسما إخراج له عن حقيقته.
ثم اخبر انه كما لم يتخذ ولدا، لو يكن معه إله. وهذا جواب لمحذوف، وتقديره: لو كان معه إله آخر " إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلى بعضهم على بعض " وفيه إلزام لمن يعبد الأصنام. وقوله " لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا " (1) دليل عام في نفي مساو للقديم فيما يقدر عليه من جميع الأجناس والمعاني. ومعنى " إذا لذهب كل إله بما خلق " أي لا نفرد به ولحوله من خلق غيره، لأنه لا يرضى أن يضاف خلقه وانعامه إلى غيره.
فان قيل: لم لا يكون كل واحد منهم حكيما، فلا يستعلي على حكيم غيره؟
قلنا: لأنه إذا كان جسما وكل جسم محتاج، جاز منه أن يستعلي لحاجته، بل لابد من أن يقع ذلك منه، لأنه ليس له مدبر يلطف له حتى يمتنع من القبيح الذي يحتاج إليه، كما يلطف الله لملائكته وأنبيائه بما في معلومه انهم يصلحون به.
ثم نزه نفسه تعالى عن اتخاذ الولد وأن يكون معه إله غيره، فقال " سبحان الله عما يصفون " من الاشراك معه، واتخاذ الولد له.
وقوله " عالم الغيب والشهادة " فلذلك يأتي بالحق، وهم يأتون بالجهل. ويحتمل أن يكون معناه إن عالم الغيب والشهادة لا يكون له شريك، لأنه أعلى من كل شئ

(1) سورة 21 أنبياء آية 22
(٣٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 386 387 388 389 390 391 392 393 394 395 396 ... » »»
الفهرست