التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٧ - الصفحة ٣٧٩
الحال التي يتسع بها السبيل إلى الفعل. وقيل: إن الوسع دون الطاقة. والتكليف تحميل ما فيه المشقة بالأمر والنهي والاعلام، وهو مأخوذ من الكلفة في الفعل، والله تعالى مكلف عباده تعريضا لهم للنفع الذي لا يحسن الابتداء بمثله، وهو الثواب.
وفي الآية دلالة على بطلان مذهب المجبرة: في تكليف ما لا يطاق، لأنه لو كلف ما لا يطيقه العبد لكان قد كلفه ما ليس في وسعه. والآية تمنع من ذلك.
وقوله " ولدينا كتاب ينطق بالحق " يريد الكتاب الذي فيه اعمال العباد مكتوبة من الطاعة والمعصية تكتبه عليه الملائكة الموكلون به كما قال " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " (1) ثم أخبر تعالى " انهم لا يظلمون " أي لا يؤاخذون بما لا يفعلونه ولا ينقصون عما استحقوه.
ثم اخبر تعالى فقال " بل قلوبهم في غمرة من هذا " أي في غفلة من هذا اليوم، وهذه المجازاة. وقال الحسن: معناه في حيرة. وهذا اخبار منه تعالى بما يكون منهم في المستقبل من الاعمال القبيحة، زائدة على ما ذكره وحكاه أنه فعلهم " ولهم اعمال من دون ذلك هم لها عاملون " قيل في معناه قولان:
أحدهما - قال قتادة وأبو العالية - وفى رواية عن مجاهد - ان لهم خطايا من دون الحق.
والثاني - قال الحسن وابن زيد - وفى رواية عن مجاهد - أيضا: أعمالا من دون ما هم عليه لابد من أن يعملوها. وقوله " حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون " فالمترف المتقلب في لين العيش ونعومته. ومنه قوله " وأترفناهم في الحياة الدنيا " (2) و (يجأرون) معناه يضجون، لشدة العذاب. وقال ابن عباس:

(1) سورة 50 ق آية 18 (2) سورة 23 المؤمنون آية 33
(٣٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 374 375 376 377 378 379 380 381 382 383 384 ... » »»
الفهرست