التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٧ - الصفحة ٣٣١
سليمة مما أراد الشيطان. ويحوز أن يكون النبي صلى الله عليه وآله حين اجتمع إليه القوم، واقترحوا عليه أن يترك ذكر آلهتهم بالسوء، أقبل عليهم يعظهم ويدعوهم إلى الله، فلما انتهى رسول الله إلى ذكر اللات والعزى. قال الشيطان هاتين الكلمتين رافعا بها صوته، فألقاهما في تلاوته في غمار من القوم وكثرة لغطهم، فظن الكفار ان ذلك من قول النبي، فسجدوا عند ذلك.
وقوله " والله عليم حكيم " معناه إنه عالم بجميع المعلومات، واضع الأشياء مواضعها. والآية تدل على أن كل رسول نبي، لأنه تعالى ذكر انه أرسلهم، وإنما قال من رسول ولا نبي، لاختلاف المعنيين، لان الرسول يفيد أن الله أرسله، والنبي يفيد أنه عظيم المنزلة يخبر عن الله. وقد قال بعض المفسرين: إن المراد بالتمني في الآية تمني القلب، والمعنى انه ما من نبي ولا رسول إلا وهو يتمنى بقلبه ما يقربه إلى الله من طاعاته، وإن الشيطان يلقي في أمنيته بوسوسته واغوائه ما ينافي ذلك، فينسخ الله ذلك عن قلبه بأن يلطف له ما يختار عنده ترك ما أغواه به.
وقوله " ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض " بيان من الله تعالى أنه يجعل ما يلقيه الشيطان من الأمنية فتنة، فمعنى (ليجعل) يحتمل أمرين:
أحدهما - الحكم والتسمية، كما تقول جعلت حسني قبيحا، ويكون المراد انه ينسخ ما يلقي الشيطان طلبا للفتنة والاغواء.
والثاني - انه أراد ليجعل نسخ ما يلقي الشيطان فتنة، لان نفس فعل الشيطان لا يجعله الله فتنة، لان ذلك قبيح، والله تعالى منزه عن القبائح اجمع، فمعنى الفتنة في الآية المحنة، وتغليظ التكليف " للذين في قلوبهم مرض " أي شك ونفاق وقلة معرفة " والقاسية قلوبهم " يعني من قسى قلبه عن اتباع الحق. وقيل: هم الظالمون.
ثم اخبر تعالى " إن الظالمين " لنفوسهم " لفي شقاق بعيد " أي مشاقة
(٣٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 326 327 328 329 330 331 332 333 334 335 336 ... » »»
الفهرست