التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٧ - الصفحة ٣٣٠
والعزى ومناة الثالثة الأخرى " (1) القى الشيطان في تلاوته (تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجي) ومعنى الآية التسلية للنبي صلى الله عليه وآله وانه لم يبعث الله نبيا، ولا رسولا إلا إذا تمنى - يعني تلا - القى الشيطان في تلاوته بما يحاول تعطيله، فيرفع الله ما ألقاه بمحكم آياته. وقال المؤرج: الأمنية الفكرة، بلغة قريش. وقال مجاهد: كان النبي صلى الله عليه وآله إذا تأخر عنه الوحي تمنى أن ينزل عليه فيلقي الشيطان في أمنيته، فينسخ الله ما يلقي الشيطان ويحكم آياته. وقال أبو علي الجبائي: إنما كان يغلط في القراءة سهوا فيها، وذلك جائز على النبي، لأنه سهو لا يعرى منه بشر، ولا يلبث ان ينبهه الله تعالى عليه. وقال غيره: إنما قال ذلك في تلاوته بعض المنافقين عن اغواء الشياطين، وأوهم أنه من القرآن. وقال الحسن: إنما قال: هي عند الله كالغرانيق العلى، يعني الملائكة في قولكم، وإن شفاعتهن لترتجي في اعتقادكم. والتمني في الآية معناه التلاوة، قال الشاعر:
تمنى كتاب الله أول ليلة * وآخره لاقى حمام المقادر (2) وقال الجبائي: إنما سها النبي صلى الله عليه وآله في القراءة نفسها. فأما الرواية بأنه قرأ تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجي، فلا أصل لها، لان مثله لا يغلط على طريق السهو، وإنما يغلط في المتشابه.
وقوله " فينسخ الله ما يلقي الشيطان " أي يزيل الله ما يلقيه الشيطان من الشبهة " ثم يحكم الله آياته " حتى لا يتطرق عليها ما يشعثها. وقال البلخي: ويجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وآله سمع هاتين الكلمتين من قومه وحفظهما فلما قرأ النبي صلى الله عليه وآله وسوس بهما إليه الشيطان، وألقاهما في فكره، فكاد أن يجريهما على لسانه، فعصمه الله، ونبهه، ونسخ وسواس الشيطان، وأحكم آياته، بأن قرأها النبي صلى الله عليه وآله محكمة

(1) سورة 53 النجم آية 19 - 20 (2) مر هذا البيت في 1 / 319
(٣٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 325 326 327 328 329 330 331 332 333 334 335 ... » »»
الفهرست