لما قال بعضهم انه سمع إبراهيم يعيب آلهتهم وحكاه لقومه قالوا: جيئوا " به على أعين الناس لعلهم يشهدون " وقيل في معناه قولان:
أحدهما - قال الحسن وقتادة والسدي: كرهوا أن يأخذوه بغير بينة، فقالوا جيئوا به بحيث يراه الناس، ويكون بمرءا منهم " لعلهم يشهدون " بما قاله إني أكيد أصنامهم شهادة تكون حجة عليه.
الثاني - قال ابن إسحاق " لعلهم يشهدون " عقابه. وقيل " لعلهم يشهدون " حجته وما يقال له من الجواب، فلما جاؤوا به قالوا له (أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم) مقررين له على ذلك، فأجابهم إبراهيم بأن قال (بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون) وإنما جاز أن يقول (بل فعله كبيرهم هذا) وما فعل شيئا لاحد أمرين:
أحدهما - انه قيده بقوله (إن كان ينطقون) فقد فعله كبيرهم. وقوله (فاسألوهم) اعتراض بين الكلامين، كما يقول القائل: عليه الدارهم فاسأله إن أقر.
والثاني - انه خرج الخبر وليس بخبر، وإنما هو إلزام دل على تلك الحال، كأنه قال بل ما تنكرون فعله كبيرهم هذا. فالالزام تارة يأتي بلفظ السؤال وتارة بلفظ الامر، كقوله (فأتوا بسورة مثله) وتارة بلفظ الخبر. والمعنى فيه أنه من اعتقد كذا لزمه كذا وقد قرئ في الشواذ (فعله كبيرهم) - بتشديد اللام - بمعنى فلعل كبيرهم، فعلى هذا لا يكون خبرا، فلا يلزم أن يكون كذبا، والكذب قبيح لكونه كذبا، فلا يحسن على وجه، سواء كان فيه نفع أو دفع ضرر، وعلى كل حال، فلا يجوز على الأنبياء القبائح، ولا يجوز أيضا عليهم التعمية في الاخبار، ولا التقية