التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٧ - الصفحة ٢٥٤
العدل في المجازاة بالحق لكل أحد على قدر استحقاقه، فلا يبخس المثاب بعض ما يستحقه، ولا يفعل بالمعاقب فوق ما يستحقه. وقال الحسن: هو ميزان له كفتان ولسان، يذهب إلى أنه علامة جعلها للعباد يعرفون بها مقادير الاستحقاق. وقال قوم: ميزان ذو كفتين توزن بها صحف الاعمال. وقال بعضهم: يكون في احدى الكفتين نور، وفي الأخرى ظلمة، فأيهما رجح، علم به مقدار ما يستحقه، وتكون المعرفة في ذلك ما فيه من اللطف والمصلحة في دار الدنيا.
وقوله " ليوم القيامة " معناه لأهل يوم القيامة. وقيل في يوم القيامة.
وقوله " وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها " معناه أنه لا يضيع لديه قليل الاعمال والمجازاة عليه، طاعة كانت أو معصية " وكفى بنا حاسبين " أي وكفى المطيع أو العاصي بمجازاة الله وحسبه ذلك. وفي ذلك غاية التهديد، لأنه إذا كان الذي يتولى الحساب لا يخفى عليه قليل ولا كثير، كان أعظم. والباء في قوله " كفى بنا " زائدة. و " حاسبين " يحتمل أن يكون نصبا على الحال أو المصدر - في قول الزجاج.
ثم اخبر الله تعالى فقال: " ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان " قال مجاهد وقتادة: هو التوراة التي تفرق بين الحق والباطل. وقال ابن زيد: هو البرهان الذي فرق بين حقه وباطل فرعون، كما قال تعالى " وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان " (1). وقوله " وضياء " أي وآتيناه ضياء يعني أدلة يهتدون بها.
كما يهتدون بالضياء. وآتيناه " ذكرا للمتقين " أي مذكرا لهم، يذكرون الله به.
ومن جعل الضياء والذكر حالا للفرقان قال: دخلته واو العطف، لاختلاف الأحوال، كقولك جاءني زيد الجواد والحليم والعالم. وأضافه إلى المتقين، لأنهم المتنفعون به دون غيرهم.
ثم وصف المتقين بأن قال " الذين يخشون " عذاب الله فيجتنبون معاصيه في

(1) سورة 8 الأنفال آية 41
(٢٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 ... » »»
الفهرست