التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٧ - الصفحة ٢٦٠
في اخبارهم، لأنه يؤدي إلى التشكيك في اخبارهم، فلا يجوز ذلك عليهم على وجه.
فأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله بأن قال (لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات كلها في الله) فإنه خبر لا أصل له، ولو حسن الكذب على وجه، كما يتوهم بعض الجهال، لجاز من القديم تعالى ذلك. وزعموا أن الثلاث كذبات هي قوله " فعله كبيرهم هذا " وما كان فعله. وقوله " اني سقيم " (1) ولم يكن كذلك. وقوله في سارة لما أراد الجبار أخذها: إنها أختي، وكانت زوجته. حتى قال بعضهم: كان الله أذن له في ذلك. وهذا باطل، لأنه لو اذن الله له فيه، لكان الكذب حسنا. وقد بينا أنه قبيح على كل حال. وقيل: معنى قوله " اني سقيم " اي سأسقم، لأنه لما نظر إلى بعض الكواكب علم أنه وقت نوبة حمى كانت تجيئه، فقال: إني سقيم. وقيل معناه: اني سقيم، اي غما بضلالكم. وقيل: معناه سقيم عندكم، فيما أدعوكم إليه من الدين.
وقيل: ان من كانت عاقبته الموت جاز ان يقال فيه سقيم، مثل المريض المشفي على الموت. وأما قوله في سارة إنها أختي فإنه أراد في الدين. واما قول يوسف لاخوته " انكم لسارقون " (2) فقد قال قوم: هو من قول مؤذن يوسف على ظنه فيما يقتضيه الحال من الظن الذي يعمل عليه. وقيل معناه: (إنكم لسارقون) يوسف (ع) وقوله تعالى (فرجعوا إلى أنفسهم) اي عادوا إلى نفوسهم يعني بعضهم إلى بعض وقال بعضهم لبعض: (انكم أنتم الظالمون) في سؤاله، لأنها لو كانت آلهة لم يصل إبراهيم إلى كسرها.
وقوله (ثم نكسوا على رؤسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون) فالنكس هو جعل الشئ أسفله أعلاه، ومنه النكس في العلة إذا رجع إلى أول حاله. والمعنى أدركتهم حيرة سوء، فنكسوا لأجلها رؤسهم. ثم أقروا بما هو حجة عليهم، فقالوا لإبراهيم

(1) سورة 37 الصافات آية 89 (2) سورة 12 يوسف آية 70
(٢٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 ... » »»
الفهرست