قوله تعالى:
هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لا يأت لقوم يسمعون (67) آية بين الله تعالى في هذه الآية ان الذي يملك من في السماوات ومن في الأرض " هو الذي جعل الليل " اي خلقه " لتسكنوا فيه " اي خلقه وعرضه لتسكنوا فيه وانه لأجل ذلك خلقه ليزول التعب والكلال بالسكون فيه وجعل " النهار مبصرا " وإنما يبصر فيه تشبيها ومجازا واستعارة في صفة الشئ بسببه على وجه المبالغة ومثله قول جرير:
لقد لمتنا يا أم عيلان في السرى * ونمت وما ليل المطي بنائم (1) وقال رؤبة:
ونام ليلي وتجلى همي (2) والفرق بين الجعل والفعل ان جعل الشئ قد يكون باحداث غيره كجعل الطين خزفا ولا يكون فعله إلا باحداثه. والفرق بين الجعل والتغيير أن تغيير الشئ لا يكون الا بتصييره على خلاف ما كان، وجعله يكون بتصييره على مثل ما كان كجعل الانسان نفسه ساكتا على استدامة الحال.
وقوله " ان في ذلك لايات لقوم يسمعون " اخبار منه تعالى وتنبيه على أن هذا جعل لا يقدر عليه الا الله تعالى، وانه لا يصح الا من عالم قاصد، وانه نعمة على الخلق بما لهم في ذلك من النفع والصلاح، وانه من الأمور الأزمة الدائرة، وانه منصوب للفكر لا يغيب عنه طرفة عين.