التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٣٨٢
وتسمى الاذن السليمة سمعا، لأنه يسمع بها. وقوله " ولو كانوا لا يعقلون " تشبيه من الله تعالى لهؤلاء الكفار في ترك إصغائهم إلى النبي صلى الله عليه وآله واستماع كلامه طلبا للفائدة بالذين لا يسمعون أصلا، وان النبي صلى الله عليه وآله ولا يقدر على اسماعهم على وجه ينتفعون به إذا لم يستمعوا بنفوسهم، للفكر فيه، كما لا يقدر على اسماع الصم.
وقوله " من " يقع على الجمع كما يقع على الواحد، فلذلك أخبر عنه بلفظ الجمع بقوله " يستمعون إليك " و (لو) في أكثر الامر يكون ما بعدها أقل مما قبلها تقول: أعطني دابة ولو حمارا، وقد يجئ ما بعدها أكثر مما قبلها، كما يقول الرجل:: انا أقاتل الأسد فيستعظم ذلك منه، فيقال: أنت تقاتل الأسد ولو كان ضاريا، وعلى هذا مخرج الآية. قال الزجاج: والمعنى ولو كانوا جهالا كما قال الشاعر:
أصم عما ساءه سميع (1) قوله تعالى:
ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون (43) آية.
اخبر الله تعالى بأن من جملة الكفار " من ينظر إليك " يا محمد صلى الله عليه وآله، فلم يخبر بلفظ الجمع لأنه حمله على اللفظ، واللفظ لفظ الواحد. والنظر المذكور في الآية معناه تقليب الحدقة الصحيحة نحو المرئي طلبا لرؤيته. وقيل: معناه من ينظر إلى أدلتك. والنظر يكون بمعنى الاعتبار والفكر، وهو الموازنة بين الأمور حتى يظهر الرجحان أو المساواة، وذلك الجمع بين الشيئين في التقدير بما يظهر به شهادة أحدهما بالاخر، ثم قال " أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون "

(1) مر في 2 / 80 و 4 / 125
(٣٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 377 378 379 380 381 382 383 384 385 386 387 ... » »»
الفهرست