اي نظرهم إليك لا على وجه الاستفادة بمنزلة نظر الأعمى الذي لا يبصر، فكما لا يقدر ان يهدي الأعمى. فكذلك هؤلاء لا ينتفعون بنظرهم إليك، فكأنهم لا يبصرون.
والعمى آفة تمنع من الرؤية، وهو على وجهين: عمى العين، وعمى القلب. وكلاهما يصلح له هذا الحد. والابصار إدراك المبصر بما يكون به مبصرا، كما أن السمع إدراك المسموع بما به يكون مسموعا.
قوله تعالى:
إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون (44) آية اخبر الله تعالى في هذه الآية على وجه التمدح به بأنه لا يظلم أحدا شيئا وإنما الناس هم الذين يظلمون أنفسهم بارتكاب ما نهى الله عنه من القبائح فيستحقون بها عقابا، فكأنهم الذين أدخلوا عليها ضررا فلذلك كانوا ظالمين لنفوسهم. والمعنى - ههنا - ان الله لا يمنع أحدا الانتفاع بما كلفهم الانتفاع به من القرآن وأدلته، ولكنهم يظلمون أنفسهم بترك النظر فيه والاستدلال به، وتفويتهم أنفسهم الثواب وإدخالهم عليها العقاب. ففي الآية دلالة على أنه لا يفعل الظلم، لان فاعل الظلم ظالم، كما أن فاعل الكسب كاسب، وليس لهم أن يقولوا يفعل الظلم ولا يكون ظالما به، كما يفعل العلم ولا يكون به عالما. وذلك أن معنى قولنا: ظالم أنه فعل الظلم، كقولنا: ضارب، أنه يفيد انه فعل الضرب. وكذلك يكون ظالما بما يفعله من الظلم في غيره، وليس كذلك العالم، لأنه يفيد انه على صفة مخصوصة ولذلك قد يكون عالما بما يفعل فيه من العلم، ولا يكون ظالما بما يفعل فيه من الظلم ولا يكون عالما بما يفعل في غيره من العلم وليس كذلك الظلم، فبان الفرق بينهما.