تربص المنافقين بالمؤمنين تمسك بما يؤدي إلى الهلاك وذلك قبيح لا يريده الله ولا يأمر به. وقال الفراء: العرب تدغم لام هل وبل في التاء خاصة وهو كثير في كلامهم قوله تعالى:
قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين (54) آية.
أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله ان يقول لهؤلاء المنافقين " انفقوا " وصورته صورة الامر وفيه ضرب من التهديد وهو مثل قوله " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " (1) وإنما هو بيان عن توسعة التمكين من الطاعة والمعصية، وقال قوم: معناه الخبر الذي تدخل (إن) فيه للجزاء كما قال كثير:
اسيئي بنا أو احسني لا ملومة * لدينا ولا مقلية ان تقلت (2) كأنه قال: إن أحسنت أو أسأت لم تلامي، وإنما حسن ان يأتي بصيغة الامر على معنى الخبر بتوسعة التمكين لأنه بمنزلة الامر في طلب فعل ما يتمكن الذي قد عرفه المخاطب، كأنه قيل اعمل بحسب ما يوجبه الحق فيما مكنت من الامرين.
ووجه آخر أن كل واحد من الضربين كالمأمور به في أنه لا يعود وبال العائد الا على المأمور. وقوله " طوعا " فالطوع الانقياد بإرادة لمن عمل عليها. والكره فعل الشئ بكراهة حمل عليها. وقوله " لن يتقبل منكم " معناه لا يجب لكم به الثواب على ذلك مثل تقبل الهدية ووجوب المكافاة وتقبل التوبة وايجاب الثواب عليها، ومثله في كل طاعة.
وقوله " إنكم كنتم قوما فاسقين " اخبار منه تعالى وخطاب لهؤلاء المنافقين بأنهم كانوا فاسقين متمردين عن طاعة الله، فلذلك لم يقبل نفقاتهم وإنما كانوا ينفقون