التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٢٣٩
يريد الله ليعذبهم في الحياة الدنيا عند تمكن المؤمنين من اخذها وغنمها فيتحسرون عليها ويكون ذلك جزاء على كفرهم نعم الله تعالى بها. والرابع - قال البلخي والزجاج: ان معناه فلا تعجبك أموالهم، فإنها وبال عليهم، لان الله يعذبهم بها اي بما يكلفهم من انفاقها في الوجوه التي أمرهم بها فتزهق أنفسهم لشدة ذلك عليهم لانفاقهم، وهم مع هذا كله كافرون وعاقبتهم النار فيكون قوله " وهم كافرون " اخبارا عن سوء أحوالهم وقلة نفع المال والولد لهم ولا يكون عطفا على ما مضى.
والخامس - أن يكون المعنى أن مفارقتها وتركها والخروج عنها بالموت صعب عليهم شديد، لأنهم يفارقون النعم ولا يدرون إلى ماذا يصيرون بعد الموت فيكون حينئذ عذابا عليهم. بمعنى ان مفارقتها غم وعذاب. ومعنى " وتزهق أنفسهم " اي تهلك وتذهب بالموت يقال: زهق بضاعة فلان اي ذهبت اجمع. السادس - قال الحسن: اخبر الله تعالى عن عاقبتهم انهم يموتون على النفاق. وقال: ليعذبهم بزكاتها وانفاقها في سبيل الله، وهو قول البلخي أيضا والزجاج مع اعتقادهم ان ذلك ليس بقربة، فيكون ذلك عذابا أليما.
واللام في قوله " ليعذبهم " يحتمل أن يكون بمعنى (أن) والتقدير إنما يريد الله أن يعذبهم. والزهق الخروج بصعوبة. وأصله الهلاك، ومنه قوله " قل جاء " الحق وزهق الباطل " (1) وكل هالك زاهق، زهق يزهق زهوقا. والزاهق من الدواب السمين الشديد السمن، لأنه هالك يثقل بدنه في السير والكر والفر. وزهق فلان بين أيدي القوم إذا زهق سابقا لهم حتى يهلك منهم. والاعجاب السرور بما يعجب منه تقول: أعجبني حديثه اي سرني بظرف حديثه.
وليس في الآية ما يدل على أن الله تعالى أراد الكفر على ما يقوله المجبرة، لان قوله " وهم كافرون " في موضع الحال كقولك أريد ان تذمه وهو كافر وأريد ان تضربه وهو عاص وأنت لا تريد كفره ولا عصيانه بل تريد ذمه في حال

(1) سورة 17 الاسرى آية 81
(٢٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 ... » »»
الفهرست