التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ١٥٠
أحد شقيه. ولا جناح عليه في كذا اي لا ميل إلى مأثم، قال أبو زيد: جنح يجنح جنوحا إذا اعطى بيده أو عدل إلى ما يحب القوم، وجنح العدو والخيل، وجنحت الإبل إذا أخفضت في السير. وليس في الآية ما يدل على أن الكفار إذا ما لو إلى الهدنة وجب اجابتهم إليها على كل حال، لان الأحوال تختلف في ذلك، فتارة تقتضي الإجابة، وتارة لا تقتضي، وذلك إذا وتروا المسلمين بأمر يقتضي الغلظة مع حصول العدة والقوة.
فان قيل: إذا جازت الهدنة مع الكفار فهلا جاز المكافة في أمر الإمامة حتى يجوز تسليمها إلى من لا يستحقها؟ قلنا: تسليم الإمامة إلى من لا يستحقها فساد في الدين كفساد تسليم النبوة إلى مثله. وقوله " وتوكل على الله " اي فوض امرك إليه تعالى وثق بأنه لا يدبره الا على ما تقتضيه الحكمة.
واختلفوا هل في الآية نسخ؟ فقال الحسن وقتادة وابن زيد: نسخها قوله:
" اقتلوا المشركين " (1) وقال قوم: ليست منسوخة، لأنها في الموادعة لأهل الكتاب والأخرى في عباد الأوثان، والصحيح أنها ليست منسوخة، لان قوله: " اقتلوا المشركين " نزلت في سنة تسع وبعث بها رسول الله إلى مكة ثم صالح أهل نجران بعد ذلك على الفي حلة: ألف في صفر وألف في رجب. وقوله " إنه هو السميع العليم " معناه انه يسمع دعاء من يدعوه عليم بما تقتضي المصلحة من اجابته وحسن تدبيره قوله تعالى:
وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض

(1) سورة 9 التوبة آية 6.
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»
الفهرست