التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٢٣٢
قوله تعالى:
ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون (108) آية بلا خلاف.
قرأ الحسن ويعقوب " عدوا " بضم العين والدال وتشديد الواو. والباقون بفتح العين وبسكون الدال. وأصل ذلك من العدوان. و " عدوا " مخففا و " عدوا " لغتان، يقال عدا علي عدوا وعدوانا وعداءا إذا ظلم مثل ضرب ضربا. وعدا فلان على فلان أي ظلمه. والاعتداء افتعال من عدا.
فهي الله تعالى المؤمنين أن يسبوا الذين يدعون من دون الله. والسب الذكر بالقبيح ومثله الشتم والذم وهو الطعن فيه بمعنى قبيح، كما يطعن فيه بالسنان، وأصله السبب، فهو تسبب إلى ذكره بالعيب.
والمعنى في الآية لا تخرجوا في مجادلتهم ودعائهم إلى الايمان ومحاجتهم إلى أن تسبوا ما يعبدونه من دون الله، فان ذلك ليس من الحجاج في شئ، وهو أيضا يدعوهم إلى أن يعارضوكم ويسبوا الله بجهلهم وحميتهم، فأنتم اليوم غير قادرين على معاقبتهم بما يستحقون، وهم أيضا لا يتقونكم، لان الدار دارهم ولم يؤذن لكم في القتال.
وكان سبب نزول الآية - في قول الحسن - أن المسلمين كانوا يسبون آلهة المشركين من الأوثان، فإذا سبوها يسب المشركون الله تعالى، فأنزل الله تعالى الآية. وقال أبو جهل: والله يا محمد لتتركوا سب آلهتنا أو لنسبن الهك الذي بعثك، فنزلت الآية. وفي ذلك دلالة على أن المحق يلزمه الكف عن سب السفهاء الذين يسرعون إلى سبه مقابلة له، لأنه بمنزلة البعث على المعصية والمفسدة فيها. وإنما قال " يدعون من دون الله " بمعنى يعبدون،
(٢٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 ... » »»
الفهرست