التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٢٣١
قوله تعالى:
ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل (107) آية.
ان قيل: كيف قال تعالى " ولو شاء الله ما أشركوا " والمشيئة لا تتعلق الا بفعل يصح حدوثه، ولا تتعلق بأن لا يكون الشئ؟!
قلنا: التقدير لو شاء الله ان يكونوا على غير الشرك قسرا ما أشركوا فمتعلق المشيئة محذوف، فمراد هذه المشيئة حالهم التي تنافى الشرك قسرا بالاقتطاع عن الشرك عجزا أو منعا أو الجاء. وإنما لا يشاء الله هذه الحال لأنها تنافي التكليف. وإنما لم يمنع العاصي من المعصية لأنه إنما اتى بها من قبل نفسه، والله تعالى فعل به جميع ما فعل بالمطيع من إزاحة العلة، فإذا لم يطع وعصى كانت الحجة عليه. وربما كان في بقائه لطف للمؤمن فيجب تبقيته وليس لاحد ان يقول الآية دالة على أنه تعالى لم يرد هدايتهم لأنه لو أراد ذلك لاهتدوا، وذلك أنه لو لم يرد أن يهتدوا لم يكونوا عصاة بمخالفة الاهتداء، لان المعاصي هو الذي خالف ما أريد منه ولما صح أمرهم أيضا بالاهتداء.
والفرق بين الحفيظ والوكيل هو أن الحفيظ يحفظهم من أن يزلوا بمنعه لهم، والوكيل القيم بأمورهم في مصالحهم لدينهم أو دنياهم حتى يلطف لهم في تناول ما يجب عليهم، فليس بحفيظ في ذاك ولا وكيل في هذا، فذلك قال تعالى: انه لم يجعل نبيه حفيظا ولا جعله وكيلا عليهم، بل الله تعالى هو الرقيب الحافظ عليهم والمتكفل بأرزاقهم. وإنما النبي صلى الله عليه وآله مبلغ منذر ومخوف. وقيل: ان ذلك كان بمكة قبل أن يؤمر بالقتال.
(٢٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 ... » »»
الفهرست