التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٥٥
جبرائيل قال الحسن والقدس هو الله.
وقوله " تكلم الناس في المهد " أي انك تكلم الناس في حال ما كنت صبيا في المهد - والمهد حجر أمه، في قول الحسن - وفي حال ما كنت كهلا.
قال أبو علي فكان كلم الناس في هذين الوقتين بتبليغه إياهم ما أرسله الله به إلى عباده، وما يدعوهم إليه من طاعة الله وتصديق رسله، لأنه كان بين لهم عند كلامه في المهد " اني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا " (1) فبين لهم في هذا وفي وقت ما صار كهلا ان الله بعثه نبيا ولم يتكلم أحد من الأنبياء في المهد سواه ولم يبعث أحد عندما ولد غيره، فذكره هذه النعمة التي خصه بها ليشكره على ذلك.
ونصب قوله " كهلا " يحتمل أمرين:
أحدهما - على أن يكون عطفا على موضع تكلم أي أيدتك صغيرا وكهلا.
الثاني - أن يكون عطفا على موضع في المهد، أي وتكلمهم كهلا بالرسالة.
وقوله " وإذ علمتك الكتاب " يعني واذكر " إذ ". وقيل في معنى (الكتاب) قولان:
أحدهما - انه أراد الخط الكتابة.
الثاني - الكتب فيكون على طريق الجنس ثم فصله بذكر التوراة والإنجيل.
وقوله " والحكمة " يعني العلم بما في تلك الكتب.
وقوله " وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير " أي واذكر ذلك أيضا كل ذلك تذكير له بنعمه عليه والخلق هو الفعل المقدر على مقدار يعرفه الفاعل، فعلى هذا جميع أفعاله تعالى توصف بأنها مخلوقة، لأنه ليس فيها شئ على وجه السهو والغفلة، ولا على سبيل المجازفة. ومعنى ذلك أنه خلق من الطين كهيئة الطير أي تصور الطين بصورة الطير الذي تريد. وسماه خلقا لأنه

(1) سورة 19 مريم آية 30 - 32.
(٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 ... » »»
الفهرست