" ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار " (1) والمراد ينادي. وقد استعمل المستقبل بمعنى الماضي، قال زياد الأعجم في المغيرة بن المهلب يرثيه بعد موته:
فإذا مررت بقبره فانحر به * خوص الركاب وكل طرف سابح وانضج جوانب قبره بدمائها * فلقد يكون أخادم وذبائح (2) فقال (يكون) ومعناه (كان) لدلالة الكلام عليه، لأنه في مرثية له بعد موته. وقوله " يا عيسى بن مريم " يحتمل عيسى أن يكون منصوبا مثل ما تقول: يا زيد بن عبد الله، وهو الأكثر في كلام العرب. وإنما يجوز ذلك إذا وقع الابن بين علمين، فأما إذا قلت يا زيد ابن الرجل لم يجز في زيد إلا الضم. ويحتمل أن يكون عيسى في موضع الضم ويكون نداء (ابن) كأنه قال يا عيسى يا ابن مريم.
وقوله " أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله " تقريع في صورة الاستفهام والمراد بذلك تقريع وتهديد من ادعى ذلك، لأنه تعالى كان عالما بذلك هل كان أو لم يكن. ويحتمل وجها آخر - ذكره البلخي ان الله تعالى أراد أن يعلم عيسى أن قومه اعتقدوا فيه وفي أمه أنهما إلهان كما أن الواحد منا إذا أرسل رسولا إلى قوم أن يفعلوا فعلا فأدى الرسالة وانصرف فخالفوا ذلك وعلم المرسل ولم يعلم الرسول جاز أن يقول المرسل للرسول:
أأنت أمرتهم بذلك؟ وغرضه أن يعلمه أنهم خالفوه. وإنما قال (إلهين) تغليبا للذكر على الأنثى. والغرض بالكلام أن النصارى يعتقدون في المسيح أنه صادق لا يكذب وأنه الذي أمرهم بأن يتخذوه وأمه إلهين، فإذا كذبهم الصادق عندهم الذي ينسبون الامر به إليه كان ذلك آكد في الحجة عليهم وأبلغ في التوبيخ لهم والتوبيخ ضرب من العقوبة. وقيل في قوله تعالى " الهين "