التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٤٦٦
الثاني - أن الذين اتبعوا شعيبا قد كانوا فيها. وقال الزجاج: وجائز أن يقال: قد عاد علي من فلان مكروه وإن لم يكن سبقه مكروه قبل ذلك أي لحقني منه مكروه، ووجه هذا أنه قد كان قبل ذلك في قصده لي كأنه قد أتى مرة بعد مرة. وقال الشاعر:
لئن كانت الأيام أحسن مرة * إلي فقد عادت لهن ذنوب (1) والعود هو الرجوع، وهو مصير الشئ إلى الحال التي كان عليها قبل، ومنه إعادة الخلق، وقوله تعالى " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه " (2) وتستعمل لفظة الإعادة في الفعل مرة ثانية حقيقة، وفى فعل مثله مجازا، وكلاهما يسمى إعادة، لكن لما كان مثله كأنه هو في أنه يقوم مقامه جرت عليه الصفة كقولك: أعدت الكتابة والقراءة ومعناه فعلت مثله.
وقوله " أولو كنا كارهين " حكاية لما قال شعيب لامته من أنه لا يعود في ملتهم إلا أن يكون على وجه الاكراه منهم لذلك وأنهم يريدون أن يردوا المؤمنين إلى مثل ما هم عليه من المعاصي مع كراهتهم لذلك ويقينهم لبطلانه، فبين بهذا أنا مع كراهتنا لذلك مع ما عرفناه من بطلانه لا نرجع، وتقديره أتعيدوننا في ملتكم وإن كرهناها؟! فأدخل ألف الاستفهام على (لو).
قوله تعالى:
قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجينا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شئ علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين (88) آية بلا خلاف.
في هذه الآية اخبار من الله عما قال شعيب لقومه من أنه قد افترى هو

(1) مر تخريجه في 2 / 315.
(2) سورة 6 الانعام آية 28.
(٤٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 461 462 463 464 465 466 467 468 469 470 471 ... » »»
الفهرست