التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٣٨٥
" فريقا هدى ". وقوله " وفريقا حق عليهم الضلالة " لتقابل فريقا هدى بعطف فعل على فعل، وتقديره وفريقا أضل إلا أنه فسره ما بعده نظير قوله " يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما " (1). وقال الفراء: نصب فريقا على الحال، والعامل فيه (تعودون) فريقا، والثاني عطف عليه، ولو رفع على تقدير أحدهما كذا، والاخر كذا، كان جائزا كما قال " قد كان لكم آية في فئتين التقتا: فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة " (2) والهدي والاضلال في الآية يحتمل أربعة أوجه:
أحدها - أنه حكم بأن هؤلاء مهتدون مدحا لهم، وحكم بأن أولئك ضالون ذما لهم.
الثاني - الدلالة التي انشرح بها صدور هؤلاء للاهتداء، وضاقت بها صدور أولئك لشدة محبتهم لما هم عليه من مذهبهم.
الثالث - هدى بأن لطف لهؤلاء بما اهتدوا عنده، وصار كالسبب لضلال أولئك بتخيرهم لينتقلوا عن فاسد مذهبهم.
الرابع - أنه هدى هؤلاء إلى طريق الثواب. وأولئك لعمى والاضلال عنه بالعقاب في النار.
وقوله " انهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله " اخبار منه تعالى انه فعل بهم ما فعل من الضلال، لأنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله، والاتخاذ الافتعال من الاخذ بمعنى اعداد الشئ لامر من الأمور، فلما أعدوا الشياطين لنصرتهم، كانوا قد اتخذوهم أولياء باعدادهم.
وقوله " ويحسبون انهم مهتدون " يعني هؤلاء الكفار يظنون أنهم مهتدون. والحسبان والظن واحد، وهو ما قوي عند الظان كون المظنون على ما ظنه مع تجويزه أن يكون على غيره، فبالقوة يتميز من اعتقاد التقليد والتخمين، وبالتجويز يتميز من العلم، لان مع العلم القطع.

(1) سورة 76 الدهر آية 31.
(2) سورة 3 آل عمران آية 13.
(٣٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 380 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 ... » »»
الفهرست