أحد هذين الوجهين باطل لا محالة، لان ما لا يصح ان يعلم فاسد لا محالة.
امر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله ان يقول لهؤلاء الكفار الذين تقدم وصفهم " هلموا ومعناه هاتوا. وهلم كلمة موضوعة للجماعة بني مع (ها) فصار بمنزلة الصوت نحو (صه) قال الا عشى:
وكان دعا قومه دعوة * هلم إلى أمركم قد صرم (1) ومن قال: هلموا، فإنه لم يبنه مع (ها) بل قدره على الانفصال.
والأول أفصح، لأنها لغة القرآن، وهي لغة أهل الحجاز. وأهل نجد يقولون:
هلم وهلما وهلموا وهلمي وهلميا وهلمن، قال سيبويه أصله (ها) ضم إليه (لم) فبني فقيل: هلم، وهات فصل ولم يتصل بما يبنى معه، فلذلك لا بد ان يقال للجماعة: هاتوا. و (هلم) لفظ يتعدى تارة، وأخرى لا يتعدى، فإذا كانت بمعنى (هاتوا) فإنها تتعدى مثل قوله " هلم شهداءكم " وإذا كانت بمعنى (تعالوا) نحو " هلم الينا " (2) فإنها لا تتعدى ونظيره: عليك زيدا يتعد إلى واحد، وعلي زيدا يتعدى إلى اثنين بمعنى أولني زيدا، ومثله من الفعل: رجع ورجعته، ولا يجوز في (هلم) الضم والكسر، كما يجوز في ورد: ورد. قال الزجاج: لأنها لا تتصرف على طريقة: فعل يفعل، مع ما اتصلت بها من هاء.
ومعنى الآية هاتوا شهداءكم الذين يشهدون بصحة ما تدعون من أن الله حرم هذا الذي ذكرتموه. وقوله " فان شهدوا فلا تشهد معهم " فان قيل كيف دعاهم إلى الشهادة مع أنهم إذا شهدوا لم تقبل شهادتهم؟؟!
قلنا عنه جوابان أحدهما - قال أبو علي: لأنهم لم يشهدوا على الوجه دعوا ان يشهدوا بينة عادلة تقوم بها الحجة.
الثاني - شهداء من غيرهم، ولن يجدوا ذلك، ولو وجدوه ما وجب