التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٣١٢
أحد هذين الوجهين باطل لا محالة، لان ما لا يصح ان يعلم فاسد لا محالة.
امر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله ان يقول لهؤلاء الكفار الذين تقدم وصفهم " هلموا ومعناه هاتوا. وهلم كلمة موضوعة للجماعة بني مع (ها) فصار بمنزلة الصوت نحو (صه) قال الا عشى:
وكان دعا قومه دعوة * هلم إلى أمركم قد صرم (1) ومن قال: هلموا، فإنه لم يبنه مع (ها) بل قدره على الانفصال.
والأول أفصح، لأنها لغة القرآن، وهي لغة أهل الحجاز. وأهل نجد يقولون:
هلم وهلما وهلموا وهلمي وهلميا وهلمن، قال سيبويه أصله (ها) ضم إليه (لم) فبني فقيل: هلم، وهات فصل ولم يتصل بما يبنى معه، فلذلك لا بد ان يقال للجماعة: هاتوا. و (هلم) لفظ يتعدى تارة، وأخرى لا يتعدى، فإذا كانت بمعنى (هاتوا) فإنها تتعدى مثل قوله " هلم شهداءكم " وإذا كانت بمعنى (تعالوا) نحو " هلم الينا " (2) فإنها لا تتعدى ونظيره: عليك زيدا يتعد إلى واحد، وعلي زيدا يتعدى إلى اثنين بمعنى أولني زيدا، ومثله من الفعل: رجع ورجعته، ولا يجوز في (هلم) الضم والكسر، كما يجوز في ورد: ورد. قال الزجاج: لأنها لا تتصرف على طريقة: فعل يفعل، مع ما اتصلت بها من هاء.
ومعنى الآية هاتوا شهداءكم الذين يشهدون بصحة ما تدعون من أن الله حرم هذا الذي ذكرتموه. وقوله " فان شهدوا فلا تشهد معهم " فان قيل كيف دعاهم إلى الشهادة مع أنهم إذا شهدوا لم تقبل شهادتهم؟؟!
قلنا عنه جوابان أحدهما - قال أبو علي: لأنهم لم يشهدوا على الوجه دعوا ان يشهدوا بينة عادلة تقوم بها الحجة.
الثاني - شهداء من غيرهم، ولن يجدوا ذلك، ولو وجدوه ما وجب

(١) ديوانه ٣٤، ومجاز القرآن 1 / 208 وتفسير الطبري 12 / 150، واللسان والتاج (ربع) (2) سورة 33 الأحزاب آية 18.
(٣١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 307 308 309 310 311 312 313 314 315 316 317 ... » »»
الفهرست