التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٢٦٦
فإنه يحتمل أمرين:
أحدهما - التسمية كقوله " وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا " (7) اي سموهم بذلك فلذلك يسمى القلب ضيقا لمحاولته الايمان وحرجا عنه والاخر - الحكم كقولهم اجعل البصرة بغداد، وجعلت حسني قبيحا أي حكمت بذلك ولا يكون هذا من الجعل الذي يراد به الخلق ولا الذي يراد به الالقاء كقولك جعلت متاعك بعضه على بعض. وقوله " ويجعل الخبيث بعضه على بعض " (8) وقيل في معنى الهداية والاضلال في الآية قولان:
أحدهما أنه يريد بالهدى تسهيل السبيل إلى الاسلام بالدلائل التي يشرح بها الصدر، والاضلال تصعيب السبيل إليه بالدلائل التي يضيق بها الصدر، لان حاله أوجبت تغليظ المحنة عليه من غير أن يكون هناك ما نع له ولا تدبير غيره أولى منه، وإنما هو حض على الاجتهاد في طلب الحق حتى ينشرح بالدلائل الصدر، ولا يضيق بدعائها إلى خلاف ما سبق من العقد، والهدى إلى ما طلبه طالب الحق، والاضلال عما طلبه طالب تأكيد الكفر.
والثاني - ان يراد بالهداية الهداية إلى الثواب وبالاضلال الاضلال عن الثواب والسلوك به إلى العقاب، ويكون التقدير من يرد الله أن يهديه للثواب في الآخرة فيشرح صدره للاسلام في الدنيا بأن يفعل له اللطف الذي يختار عنده الاسلام، ومن يرد أن يعاقبه ويعدل به عن الثواب إلى النار يجعل صدره ضيقا حرجا بما سبق من سوء اختياره الكفر جزاء على فعله ويخذله ويخلي بينه وبين ما يريده من الكفر أو يحكم على قلبه بالضيق والحرج، أو يسميه بذلك على ما فسرناه. وهذا الاضلال لا يكون الا مستحقا كما أن تلك الهداية لا تكون الا مستحقة، وقد سمى الله تعالى الثواب هداية في قوله " الحمد لله

(7) سورة 43 الزخرف آية 19 (8) سورة 8 الأنفال آية 38.
(٢٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 ... » »»
الفهرست