فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٦ - الصفحة ٥٧٦
النهي عن تمني الموت والأصل لا يتمنى أحدكم الموت إما محسنا وإما مسيئا أي سواء كان على حالة الإحسان أو الإساءة أما إذا كان محسنا فلا يتمناه لعله يزداد إحسانا على إحسانه فيضاعف ثوابه وإما أن يكون مسيئا فلا يتمناه فلعله يندم على إساءته ويطلب الرضا فيكون سببا لمحو ذنوبه وأما الثاني فادعاؤه أن أكثر مجئ لعل للترجي وهذا قيد ممنوع وكتب أكابر النحاة طافحة بالإعراض عنه (فلعله يستعتب) أي يطلب العتبى أي الرضا لله بأن يحاول إزالة غضبه بالتوبة ورد المظالم وتدارك الفائت وإصلاح العمل ذكره القاضي، قال التوربشتي: والنهي وإن أطلق لكن المراد منه التقييد بما وجه به من تلك الدلالة وقد تمناه كثير من الصديقين شوقا إلى لقاء الله تعالى وتنعما بالوصول لحضرته وذلك غير داخل تحت نهي التقييد والمطلق راجع للمقيد اه‍. هذا وليس لك أن تقول لم تنحصر القسمة في هذين الوصفين فلعله يكون مسيئا فيزداد إساءة فتكون زيادة العمر زيادة له في الشقاء كما في خبر: شر الناس من طال عمره وساء عمله، أو لعله يكون محسنا فتنقلب حاله إلى الإساءة لأنا نقول ترجى المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم له زيادة الإحسان أو الانكفاف عن السوء بتقدير أن يدوم على حاله فإذا كان معه أصل الإيمان فهو خير له بكل حال وبتقدير أن يخف إحسانه فذلك الإحسان الخفيف الذي داوم عليه مضاعف له مع أصل الإيمان وإن زادت إساءته فالإساءة كثير منها مكفر وما لا يكفر يرجى العفو عنه فما دام معه الإيمان فالحياة خير له كما بينه المحقق أبو زرعة (حم خ) في الطب مطولا (ن عن أبي هريرة) وهذا حديث اشتمل على جملتين الأولى خرجها الشيخان وهي لن يدخل أحدكم الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضله ورحمته والثانية هذه التي اقتصر عليه المصنف.
9949 - (لا يجتمع كافر وقاتله) أي المسلم الثابت على الإسلام كما في المطامح (في النار) نار جهنم (أبدا) قال القاضي: يحتمل أن يختص بمن قتل كافرا في الجهاد فيكون ذلك مكفرا لذنوبه حتى لا يعاقب عليها وأن يكون عقابه بغير النار أو يعاقب في غير محل عقاب الكفار ولا يجتمعان في إدراكها اه‍. قال الطيبي: والوجه الأول وهو من الكناية التلويحية نفي الاجتماع بينهما فيلزم نفي المساواة فيلزم أن لا يدخل المجاهد النار أبدا إذ لو دخلها لساواه وقوله أبدا بمعنى قط في الماضي وعوض في المستقبل تنزيلا للمستقبل منزلة الماضي (م د) في الجهاد (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري.
9950 - (لا يجزي) بفتح أوله وزاي معجمة (ولد والدا) وفي رواية والده أي لا يكافئه بإحسانه وقضاء حقه والأم مثله بطريق أولى ومثلهما الأجداد والجدات من النسب (إلا أن) أي بأن (يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه) أي يخلصه من الرق بسبب شرائه أو نحوه يعني يتسبب في دخوله في ملكه بأي سبب كان في شراء أو هبة بلا ثواب أو بغير ذلك فالشراء خرج مخرج الغالب لأن الرقيق كالمعدوم لاستحقاق غيره منافعه ونقصه عن المناصب الشريفة فتسببه في عتقه المخلص له من حيز ذلك كأنه أوجده كما أن
(٥٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 571 572 573 574 575 576 577 578 579 580 581 ... » »»
الفهرست