كما يكتفى من أحد الضدين بالآخر وعطف عليه من عطف العام على الخاص قوله (والناس أجمعين) حبا اختياريا إيثارا له عليه الصلاة والسلام على ما يقتضي العقل رجحانه من حبه احتراما وإكراما وإجلالا وإن كان حب غيره لنفسه وولده مركوزا في غريزته فسقط استشكاله بأن المحبة أمر طبيعي غريزي لا يدخل الاختيار فكيف تكلف به إذ المراد حب الاختيار المستند إلى الإيمان كما تقرر فمعناه لا يؤمن أحدكم حتى يؤثر رضاي على هوى والديه وأولاده، قال الكرماني: ومحبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إرادة طاعته وترك مخالفته وهو من واجبات الإسلام والحديث من جوامع الكلم لأنه جمع فيه أصناف المحبة الثلاث محبة الإجلال [ص 442] وهي محبة الأصل ومحبة الشفقة وهي محبة الوالد ومحبة المجانسة وهي محبة الناس أجمعين وشاهد صدق ذلك بذل النفس في رضا المحبوب وإيثاره على كل مصحوب قال الإمام النووي: وفي الحديث تلميح إلى قضية النفس الأمارة والمطمئنة فمن رجح جانب المطمئنة كان حبه لنبيه راجحا ومن رجح الأمارة كان بالعكس.
(تنبيه) قال الكرماني: أحب أفعل تفضيل بمعنى مفعول وهو مع كثرته على خلاف القياس إذ القياس أن يكون بمعنى فاعل وفصل بينه وبين معموله بقوله إليه لأن الممتنع الفصل بأجنبي مع أن الظرف يتوسع فيه (حم ق ن) في الإيمان (ه) في السنة (عن أنس) بن مالك ورجاله ثقات.
9940 - (لا يؤمن أحدكم) إيمانا كاملا فالمراد بنفيه هنا نفي بلوغ حقيقته ونهايته من قبيل خبر لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن (حتى يحب) بالنصب لأن حتى جارة وأن بعدها مضمرة ولا يجوز الرفع فتكون حتى عاطفة لفساد المعنى إذ عدم الإيمان ليس سببا للمحبة ذكره الكرماني (لأخيه) في الإسلام من الخير كما في رواية النسائي والقضاعي وابن منده والإسماعيلي وغيرهم فمن قصره على كف الأذى فقد قصر ولا حاجة لقول البعض هو عام مخصوص إذ المرء يحب لنفسه وطء حليلته لا لغيره والخير كلمة جامعة تعم الطاعات والمباحات الدينية والدنيوية وتخرج المنهيات لأن اسم الخير لا يتناولها والمحبة إرادة ما تعتقده خيرا قال النووي: المحبة الميل إلى ما يوافق المحب وقد يكون بحواسه كحسن الصورة أو بعلته أو بعقله إما لذاته كالفضل والكمال أو لإحسانه كجلب نفع أو دفع ضرر والمراد هنا الميل الاختياري دون القهري (ما يحب لنفسه) من ذلك وأن يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه من السوء ولم يذكره لأن حب الشئ مستلزم بغض نقيضه وذلك ليكون المؤمنون كنفس واحدة ومن زعم كابن الصلاح أن هذا من الصعب الممتنع غفل عن المعنى والمراد وهو أن يحب له حصول مثل ذلك من جهة لا يزاحمه فيها كما تقرر وبه دفع ما قيل هذه محبة عقلية لا تكليفية طبيعية لأن الإنسان جبل على حب الاستئثار فتكليفه بأن يحب له ما يحب لنفسه مفض إلى أن لا يكمل إيمان أحد إلا نادرا وذكر الأخر غالبي فالمسلم ينبغي أن يحب للكافر الإسلام وما يترتب عليه من الخير والأجر ومقصود الحديث انتظام أحوال المعاش والمعاد والجري على قانون السداد * (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) * وعماد ذلك وأساسه السلامة من الأدواء القلبية كالحاسد يكره أن يفوته