فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٦ - الصفحة ٣٦٩
9263 - (نضر الله) بضاد معجمة مشددة، وتخفف، قال في البحر: وهو أفصح، وقال الصدر المناوي: أكثر الشيوخ يشددون، وأكثر أهل الأدب يخففون، من النضارة: الحسن والرونق (امرءا) أي رجلا، ومؤنثه: امرأة، وفيه لغات: مرءا: بفتح الميم وكسرها وضمها، وامرءا: بزيادة همزة الوصل مع ضمها ومع فتحها ومع كسرها في سائر الأحوال، ومع تغيره باعتبار إعرابها، فتضم الراء مع الرفع، وتفتح مع النصب، وتكسر مع الجر والمعنى: خصه الله بالبهجة [ص 284] والسرور، أو حسن وجهه عند الناس وحاله بينهم وأصله: * (نضرة النعيم) * (سمع منا شيئا) من الأحاديث بما رزق من العلم والمعرفة، والمراد بقوله شيئا: عموم الأقوال والأفعال الصادرة من المصطفى صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، بدليل صيغة منا - بلفظ الجمع - ولهذا أوقع امرءا موقع عبدا، وهو أعم من العبد، لما في العبد من معنى الاستكانة والمضي لأمر الله ورسوله بلا امتناع وعدم الاستنكاف مع أداء ما سمع إلى من هو أعلم منه، فإن حقيقة العبودية مشعرة بذلك (فبلغه) أي أداه إلى من يبلغه (كما سمعه) أي من غير زيادة ولا نقص، فمن زاد أو نقص فهو مغير، لا مبلغ، فيكون الدعاء مصروفا عنه، قال الطيبي: كما سمعه: إما حال من فاعل بلغه، وإما مفعول مطلق، وإما موصولة، أو مصدرية، قال التوربشتي: ورب: موضوعة للتقليل، فاستعيرت في الحديث للتكثير (فرب مبلغ) بفتح اللام (أوعى) أي أعظم تذكرا. قال المظهر: وعى يعي وعيا: إذا حفظ كلاما بقلبه ودام على حفظه ولم ينسه. وقال الطيبي: الوعي: إدامة الحفظ وعدم النسيان (من سامع) لما رزق من جودة الفهم وكمال العلم والمعرفة. وخص مبلغ سنته بالدعاء لكونه سعى في نضارة العلم وتجديد السنة فجوزي بما يليق بحاله، وقد رأى بعض العلماء المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم في النوم، فقال له: أنت قلت نضر الله امرءا - إلخ -؟ قال: نعم - ووجهه يتهلل - أنا قلته، وكرره ثلاثا، قالوا:
ولذلك لا يزال في وجوه المحدثين نضارة ببركة دعائه، وفيه وجوب تبليغ العلم، وهو الميثاق المأخوذ على العلماء، وأنه يكون في آخر الزمان من له الفهم والعلم ما ليس لمن تقدمه، لكنه قليل، بدلالة رب، ذكره بعضهم، ومنعه ابن جماعة بمنع دلالته على المدعي، فإن حامل السنة يجوز أن يؤخذ عنه وإن كان جاهلا بمعناها، فهو مأجور على نقلها وإن لم يفهمها، وأن اختصار الحديث لغير المبحر ممنوع، وأن النقل بالمعنى مدفوع إلا على المتأهل ففيه خلف وجه المنع أنه سد لطريق الاستنباط على من بعده (حم ت عن ابن مسعود) قال الترمذي: صحيح، قال ابن القطان: فيه سماك بن حرب يقبل التلقين، وقال ابن حجر في تخريج المختصر: حديث مشهور، خرج في السنن أو بعضها من حديث ابن مسعود وزيد بن ثابت وجبير بن مطعم، وصححه ابن حبان والحاكم، وذكر أبو القاسم بن منده في تذكرته أنه رواه عن المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أربعة وعشرون صحابيا، ثم سود أسماءهم، وقال عبد الغني في الأدب: تذاكرت أنا والدارقطني طرق هذا الحديث فقال: هذا أصح شئ روي فيه.
(٣٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 364 365 366 367 368 369 370 371 372 373 374 ... » »»
الفهرست