فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٦ - الصفحة ١٩٤
بالحق ولما أحكم أبناء الآخرة هذه الخصلة وأعطوها حقها تفرغوا للعبادة وتمكنوا من التفرد من الخلق والسياحة واقتحام الفيافي واستيطان الجبال والشعاب فصاروا أقوياء العباد ورجال الدين وأحرار الناس وملوك الأرض بالحقيقة يسيرون حيث شاؤوا وينزلون حيث أرادوا لا عائق لهم ولا حاجز دونهم وكل الأماكن لهم واحد وكل الأزمان عندهم واحد، قال الخواص: ولو أن رجلا توكل على الله بصدق نية لاحتاج إليه الأمراء ومن دونهم، وكيف يحتاج ومولاه الغني الحميد؟. - (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (التوكل عن ابن عباس) رمز لحسنه ورواه بهذا اللفظ الحاكم والبيهقي وأبو يعلى وإسحاق وعبد بن حميد والطبراني وأبو نعيم كلهم من طريق هشام بن زياد بن أبي المقدام عن محمد القرطبي عن ابن عباس قال البيهقي: في الزهد تكلموا في هشام بسبب هذا الحديث.
8743 - (من سره) من السرور وهو انشراح الصدر بلذة فيها طمأنينة النفس عاجلا وذلك في الحقيقة إنما يكون إذا لم يخف زواله ولا يكون إلا فيما يتعلق بالأمور الأخروية قال:
أشد الغم عندي في سرور * تيقن عنه صاحبه ارتحالا (أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب) بضم الكاف وفتح الراء جمع كربة وهي غم يأخذ بالنفس لشدته (فليكثر الدعاء في الرخاء) أي في حال الرفاهية والأمن والعافية لأن من شيمة المؤمن الشاكر الحازم أن يريش السهم قبل الرمي ويلتجئ إلى الله قبل الاضطرار بخلاف الكافر الشقي والمؤمن الغبي * (وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا) [الزمر: 8] فتعين على من يريد النجاة من ورطات الشدائد والغموم أن لا يغفل بقلبه ولسانه عن التوجه إلى حضرة الحق تقدس بالحمد والابتهال إليه والثناء عليه إذ المراد بالدعاء في الرخاء كما قاله الإمام الحليمي دعاء الثناء والشكر والاعتراف بالمنن وسؤال التوفيق والمعونة والتأييد والاستغفار لعوارض التقصير فإن العبد وإن جهد لم يوف ما عليه من حقوق الله بتمامها ومن غفل عن ذلك ولم يلاحظه في زمن صحته وفراغه وأمنه كان صدق عليه قوله تعالى * (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) [العنكبوت: 65].
- (ت ك عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي.
8744 - (من سره أن يحب الله ورسوله) أي من سره أن يزداد من محبة الله ورسوله (فليقر القرآن نظرا (في المصحف) وهذا بناء على ما هو المتبادر أن فاعل يحب العبد وقال بعض موالي الروم:
فاعل يحب لفظ الجلالة والرسول أي من سره أن يحبه الله ورسوله إلخ وذلك لأن في القراءة نظر زيادة ملاحظة للذات والصفات فيحصل من ذلك زيادة ارتباط توجب زيادة المحبة وكان بعض مشايخ الصوفية إذا سلك مريدا أشغله بذكر الجلالة وكتبها له في كفه وأمره بالنظر إليها حال الذكر قالوا: هذا
(١٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 ... » »»
الفهرست